عيد الأضحى بين حكمة القرار الملكي وازدواجية السلوك الشعبي

Boufdam Brahim3 يونيو 2025Last Update :
عيد الأضحى بين حكمة القرار الملكي وازدواجية السلوك الشعبي

 

م-النوري –

في خطوة سيادية بالغة الدلالة، أصدر جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده قرارًا تاريخيًا بإلغاء شعيرة عيد الأضحى لهذا العام، في ظل أزمة وطنية غير مسبوقة تتعلق بندرة الماشية، وارتفاع صاروخي في أسعار الأضاحي، وانكشاف اختلالات مقلقة في ملف استيراد المواشي الذي أُحيل لاحقًا إلى المجلس الأعلى للحسابات، بعد تجريده من وصاية الحكومة.

قرار الإلغاء لم يكن عبثيًا أو خارج السياق، بل كان نابعًا من قراءة عميقة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، ولرغبة ملكية سامية في حماية كرامة المواطن المغربي، ومنع تكرار استنزاف الأسر في موسم بات مرادفًا للتكاليف المرهقة والضغوط الاجتماعية غير المبررة.

رغم المجهودات التي بذلتها الدولة لتوفير الأضاحي من خلال دعم استيراد رؤوس الأبقار والأغنام، فإن السوق المغربي لم يشهد انفراجًا حقيقيًا. بل على العكس، تفجرت تساؤلات حارقة حول طبيعة هذا الدعم، والجهات المستفيدة منه، وسط تقارير غير رسمية تتحدث عن امتيازات مشبوهة، واستغلال نفوذ، واختلالات مالية لا تزال تنتظر المحاسبة.

وبدل أن يتم توجيه الدعم نحو تحقيق التوازن وضمان القدرة الشرائية للمواطن، وجد المغاربة أنفسهم أمام أسعار تتجاوز طاقتهم، وعروض محدودة لا تليق بحجم المناسبة ولا بروحها الدينية والاجتماعية.

جاء قرار جلالة الملك ليؤكد مرة أخرى على البُعد الإنساني والاجتماعي للقيادة المغربية، من خلال إلغاء العيد مراعاةً للفئات المعوزة والمتوسطة التي لم تعد قادرة على مجاراة كلفة الشعيرة. وهو قرار يجسد روح التآزر الوطني، ويعيد الاعتبار لمعنى الأضحية كقيمة دينية، لا كعبء اقتصادي.

وقد استقبل الشارع المغربي هذا القرار بنوع من الارتياح الشعبي، لا سيما في صفوف الكادحين الذين وجدوا فيه فرصة لتجنب الإحراج المالي والاجتماعي، وتقديرًا عميقًا لملك يضع شعبه فوق كل اعتبار.

لكن، ومقابل هذا القرار الحكيم، سُجّلت في الأيام الأخيرة سلوكيات مقلقة من طرف بعض الأفراد الذين اختاروا التحايل، وشراء الأضاحي خفية، بل والتخطيط لذبحها إما قبل يوم العيد أو بعده، في خرق واضح لروح القرار الملكي وتجاوزٍ صريح لما تفرضه اللحظة الوطنية من انضباط جماعي.

هذه الممارسات، التي لا يمكن وصفها إلا بالنفاق المجتمعي، تكشف عن فجوة في مفهوم الالتزام بالمصلحة العامة، وتطرح تساؤلات عميقة حول مدى وعي بعض المواطنين بقيمة “السمع والطاعة” في القضايا الكبرى التي تهم الدولة برمّتها.

في هذا السياق، لا بد من التذكير بالفخر الذي يحمله الشعب الأمازيغي في شمال إفريقيا بقيمه الأصيلة، إذ لطالما اعتبر أن “الحر لا يخون”، وأن الولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع عند الرخاء فقط، بل مبدأ يُمارس في أوقات الشدة.

ويكفي أن نستحضر ما ورد في أحد اللقاءات الثقافية التي بُثت عبر القناة الروسية الناطقة بالعربية، ضمن برنامج “الذاكرة”، حين قال الدكتور المحجوبي أحرضان:
“نحن أمازيغ أحرار، لا نُباع ولا نُشترى. لسنا مثل من يقتل الأخ من أجل سلطة أو مال. نحن لا نخون.”
كلمات تلخص فلسفة شعب تربى على العزة والصدق، لا على النفاق والتملص من الواجب الوطني.

لكل من سولت له نفسه تجاوز القرار الملكي، وذبح أضحيته في السر أو في خفاء، نقول: راجع نفسك، واجلس مع ضميرك في خلوة صادقة، وتأمل ما إذا كنت أهلاً لتحمل صفة المواطن. لأن هذه اللحظة أكبر من “شعيرة”، إنها لحظة اختبار للوفاء، وللإيمان بالوطن كفكرة لا تُجزّأ.

قرار إلغاء عيد الأضحى هذا العام لم يكن سوى مرآة عاكسة لحكمة ملك وُضع على عاتقه همّ شعب، لكنه كان أيضًا مناسبة لاختبار صلابة الوعي الجماعي، ودرجة الانضباط الأخلاقي في مجتمع يواجه أزمات مركبة.

فإما أن نكون شعبًا يرتقي بمواطنته، أو نُثبت – بكل أسف – أن النفاق قد تمكن من بعض النفوس، وأننا لا نستحق تضحيات من يقودنا نحو بر الأمان.

المصادر:
• بلاغ الديوان الملكي بشأن عيد الأضحى 2025
• تقارير صحفية حول دعم استيراد المواشي (2025)
• لقاء مع الدكتور المحجوبي أحرضان – برنامج “الذاكرة”، القناة الروسية الناطقة بالعربية.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading