مراسلة من تطوان
في قلب تطوان، حيث كانت الأذكار تتعالى ذات يوم وتنساب بركات الزاوية الحراقية عبر الأجيال، كُتبت صفحات من تاريخ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لكن يبدو أن بعض “الورثة” قرروا تحديث مفهوم “البركة”.. فبدل أن تكون روحانية، صارت عقارية، وبدل أن تكون صدقة، تحولت إلى صفقات.
كما يعرف أهل حي الطويلع بتطوان، فقد وجّهت إلى الحاج يونس الحراق اتهامات بالمساس بأعمال الزاوية، وكأن الرجل كان يضمر خطة سرية لإطفاء الشموع في حضرات الذكر، بينما الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، فـ”الحاج يونس لم يكن في مواجهة مع الزاوية أو تعاليمها، بل مع أولئك الذين اكتشفوا أن التدين يمكن أن يكون استثمارا مربحا، بشرط أن تكون لديك الجرأة الكافية لإعادة تعريف مفاهيم الإيمان والورع وفق جدول الأرباح والخسائر”.
بالفعل، على مدى السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات مستمرة للمساس بسمعة الحاج يونس، ليس لأنه خطر على الدين، بل لأنه خطر على من يستخدمون الدين كواجهة لأعمالهم المريبة، وبينما كان مشغولا ببناء حياة مستقرة بعيدا عن هذا المستنقع(…)، كان “أصحاب الأيادي البيضاء” منهمكين في توسيع ممتلكاتهم.. بـ”البركة” طبعا! لكن كما يقول المغاربة: “الشمس ما تتغطاش بالغربال.”
عندما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، وجد الحاج يونس نفسه في مواجهة لم يكن يوما يسعى إليها، لكنه أدرك أن الصمت في بعض المواقف ليس حكمة، بل تواطؤا غير مباشر، فلم يكن يرغب في جرّ “النزهاء الجدد” إلى معركة قد تلطّخ إرث أجداده، لكنه اكتشف – ويا للمفاجأة – أن هؤلاء الناس لا يفهمون إلا لغة المواجهة.
أما عن الرسالة الكاذبة التي وجهها محترفو التلاعب إلى القصر الملكي قبل سنوات، فقد تعامل معها الحاج يونس بصبر يحسد عليه، مكتفيا بترك الأكاذيب تنهار تحت ثقلها، غير أن محاولة إدانته ظلما بتهمة “الترامي على الأرض التي هي ملك عائلته” كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.. فكما كانت الرسالة الموجهة إلى القصر الملكي نموذجا في فن التلفيق، لم تخيّب الدعاوى المرفوعة في المحاكم الآمال، إذ جاءت مليئة بالإبداعات القانونية التي تستحق دخول موسوعة “التزييف بطرق مبتكرة”، لكن، طال الزمن أو قصر، تظل الحقيقة عنيدة لا تقبل الاختباء طويلا، وستأتي لحظة تنكشف فيها الأوراق، حتى وإن حاول البعض تأجيلها قدر المستطاع.
الشريف سيدي يونس بن سيدي عرفة الحراق، الرجل الذي يحظى بسمعة طيبة، لم يكن يوما في حرب مع الزاوية، بل كان صامتا على الفساد الذي تغلغل في قلوب بعض من يختبؤون وراءها، ولم يكن هو الوحيد الذي كان شاهدا على تحول الزاوية إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية، بدل أن تبقى صرحا دينيا يشع بالنور ويخدم الملك والشعب.
الفساد، ذلك الوحش الذي لا يعرف حدودا، يتسلل إلى كل زاوية من زوايا الحياة، لا يكاد يختفي في أي مكان على وجه الأرض، في المغرب كما في بقاع أخرى، أصبح الفساد جزء لا يتجزأ من واقعنا المعيش، لكن وسط هذا الظلام هناك دائما نور يشرق.. أولياء الله، رجال صدق وإيمان، يقاومون هذا الوباء بكل قوتهم، يرفعون راية محاربته في كل خطوة، ويسهرون على منع انتشاره بكل ما أوتوا من عزيمة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.