سمير باكير
تعددت وجهات النظر في دوائر الحكم الاسرائيلية حول إدارة غزة بعد انتهاء ان تضع الحرب أوزارها في القطاع، وانتقد القادة العسكريون الإسرائيليون والمحللون وحتى بعض المسؤولين الأميركيين حكومة نتنياهو لشنها حرب غزة دون أن يكون لديها “استراتيجية خروج”، وهو مفهوم يعادل ما يسمى “اليوم التالي”.
في هذا الصدد، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرزي هاليفي من أن “المكاسب العسكرية” في حرب غزة يمكن أن تضيع في غياب “استراتيجية اليوم التالي”، لكن هل حقاً لم تكن لدى نتنياهو رؤية واضحة لليوم التالي في غزة، أم أنه تعمد الغموض في رؤيته وكشفها تدريجياً لتجنب المعارضة التي قد يواجهها في الداخل والخارج؟
نتنياهو وفي أول رؤية رسمية لليوم التالي التي وضعها نصب عينيه، والتي قدمها في فبراير/شباط الماضي، وأكد من جديد عناصرها الرئيسية في خطابه أمام الكونجرس في 24 يوليو/تموز، صب تركيزه على الحفاظ على السيطرة الأمنية على قطاع غزة، وإنشاء إدارة مدنية محلية من قبل الفلسطينيين الذين يتعاونون معه، ولا يريدون تدمير إسرائيل، ويدعون لنزع السلاح في غزة.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نستنتج أن نتنياهو يريد نقل نموذج الضفة الغربية إلى قطاع غزة، أي فرض السيطرة الأمنية على غزة وجميع حدودها، بما في ذلك الحدود البرية مع العالم الخارجي، وهي مصر، وإدارة الحياة اليومية للشعب بإدارة فلسطينية على غرار السلطة المحلية.
وبتعبير ادق، يسعى نتنياهو إلى استعادة قطاع غزة بأي وسيلة.
ومن وجهة نظر نتنياهو فإن ذلك يمكن أن يحقق هدف منع تكرار أحداث “7 أكتوبر”، وينسجم أيضاً مع استراتيجيته لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، والتي تقوم على رفض تشكيل دولة فلسطينية ; لأنه بحسب رأيه لا يوجد سوى دولة واحدة من النهر إلى البحر، وهي الدولة اليهودية، كما تظهر خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي قدمها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول/سبتمبر، 2023.
وتعارض القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل فكرة فرض السيطرة على قطاع غزة، نظرا لما تحمله من عبئ اقتصادي وعسكري وسياسي ثقيل على إسرائيل والصعوبات الكثيرة التي تجعل تنفيذها على الأرض مستحيلا.
إن استمرار الاحتلال العسكري لغزة يعني بقاء ما لا يقل عن 5 فيالق من جنود الكيان في غزة ومحيطها، وهذا يعني أن 200 ألف إسرائيلي يجب أن يرتدوا الزي العسكري الإجباري بدلاً من الوظائف ومعرضين لخطر القتل المستمر.
كما أن إعادة السيطرة على قطاع غزة كانت واحدة من اللاءات التي ذكرتها الحكومة الأمريكية بعد الحرب.
وعليه، يلوح في الأفق أن نتنياهو يعول على عاملين لتحقيق رؤيته: فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، واستمرار حكمه حتى الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في أكتوبر 2026.
لكن لا يمكن تجاهل التحديات الهائلة التي يواجهها نتنياهو في هذا الصدد، وأبرزها التحدي المرتبط بالقدرة على إرساء الأمن والاستقرار داخل غزة ومنع عودة حماس إلى السلطة، وهو التحدي الذي لا يقل خطورة لا سيما في اطار التعامل مع الاحتياجات الإنسانية لنحو مليونين وثلاثمائة ألف نسمة في غزة.
كما أن التحدي الاكبر يتمثل في إعادة بناء البنية التحتية لقطاع غزة، والتي بحسب تقرير وكالة الأونروا، تم تدمير حوالي سبعة وستين بالمائة منها، بالإضافة إلى تدمير أكثر من سبعين بالمائة من المنازل في غزة.
ويمكن لنا ان نستنبط مما سلف، سبب تاسيس الجيش الإسرائيلي مؤخراً لمنصب “رئيس الجهود الإنسانية المدنية في قطاع غزة”، وهو منصب مماثل لمنصب رئيس الإدارة المدنية الملحق بالحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.