بني خلوك، القبيلة التي ظلمت مرّتين.
بقلم الأستاذ مصطفى البغدادي، عضو فيدراليّة النسيج الجمعوي لبني مسكين.
إن المتتبع للشأن المحلّي لبني خلوك، بعيدا عن الصراعات السياسية التي لم تزد القبيلة إلا تقهقرا، يجد نفسه أمام سيل من المشاكل التي لا تنقضي، خصوصا وأنّ المنطقة حبلى بالمهاجرين بأوربا والذين ينتظرون منذ سنوات خلت أن تتوفّر الشروط الملائمة لاستثمار أموالهم التي دفعوا مهرها أرواحهم في الغالب الأعمّ. في الوقت الذي يصطفّ فيه المسؤولون على قدم المساواة مع المواطنين واصفين موضوع التّنمية بالصّعب، إن لم نقل بالمستحيل، نقف متسائلين عن هذا التّدهور المطّرد؟ أهو القدر الإلهي يسوق لبني خلوك من يأكل خيرها وينكر فضلها؟ أم هي السّياسات التي توالت فأهلكت البنية التحتية بقصد أو عن غير قصد؟
تعتبر بني خلوك من القبائل التي تنتشر على رقعة جغرافية شاسعة جدّا، فهي التي تحدّها شمالا جماعة سيدي بومهدي، وجنوبا الجماعة القروية دار الشّافعي وبلدية البروج شرقا وجماعة كيسر غربا. أما بخصوص الأنشطة الاقتصادية الممارسة في المنطقة فهي تربية الماشية والزّراعة، القطاعين اللّذان عانيا ومازالا من نذرة المياه الموسمية ومن غياب الدعم القطاعي الموجه بالأخص لصغار الفلاحين الذين يشكلون الأغلبية السّاحقة بالمنطقة. معلوم أن قبيلة بني خلوك، وبني مسكين بصفة عامّة، كانت حاضرة في محطّة النضال ضد الفرنسيين، فنجد مثلا أن المقاوم رحال المسكيني، على سبيل المثال لا الحصر، من أبرز من أنجبتهم الأم المسكينية والذي دوّن اسمه بمداد من الفخر سنوات الاستعمار الفرنسي للمغرب دون أن يرى ثمرة جهده النضالي وذلك إثر وفاته على يد أيدي الاستعمار الغاشم الممزوج بخيانة بني الجلدة من الخونة. هكذا كان حال بني خلوك، مقاومة ورافضة لكلّ أشكال الخضوع أمام آلة الاستعمار، فقد قدّمت أبناءها وبناتها فداء للوطن وطلبا للانعتاق من رقبة الدكتاتوريّة الفرنسية. أما حالها اليوم فلا يبشّر الّا بسنوات عجاف تنتظر القبيلة جرّاء سياسات سلبية متحاملة على السّاكنة ، فأبرز ما يميّزها هو هذا النّكوص والتّراجع الغير مفهومين، في الوقت الذي تسير فيه جماعات مجاورة بخطى تابثة نحو الرّقي بالبنية التّحتية على الأقل. ويمكن إجمال التراجع الذي لحق جماعة بني خلوك في مرحلتين أساسيّتين هما كالتّالي:
المرحلة الأولى:
في هذه المرحلة، تربّع على كرسي الجماعة قيدوم وعميد رؤساء الجماعات المحلّية بالمغرب السيد عبد الواحد الشذالي، فخلال ترؤّسه الجماعة المحلية، تميّز التسيير عموما بغلبة الصوت الواحد، الشيء الذي يذكّرنا بلويس الرابع عشر Louis XIV وحكمه لفرنسا إبّان القرن الرّابع عشر. لا صوت يعلو فوق صوت الشذالي. لكي تلج مثلا إلى مكتب الرّئيس القابع بالطّابق الأول، فلابدّ لك من جواز مرور، غالبا لم يكن متاحا إلا لفئة قليلة الحصول عليه. ظلّ الرئيس على رأس الجماعة لمدة 33 سنة كاملة دون أن تبرح ” التّنمية ” مكانها. ترك الشذالي الساكنة تتدبّر أمورها وأحاط نفسه بخدّام أوفياء يزكّون ترشّحه لكل ولاية انتخابية. أحكم الشذالي إذن قبضته على دواليب الجماعة وكان رجل سلطة متنفّدة على السّاكنة، ضاربا عرض الحائط كلّ مبادئ التشاركية في تسيير المرافق العمومية التي كان يتولّى تدبيرها رجال كلّ بحسب قربه من سعادة الرّئيس.
المرحلة الثّانية :
بعد شدّ وجذب، وفي معركة استعانت فيها المعارضة بدعم السّاكنة وبجميع وسائط التّواصل الاجتماعي، من فايسبوك ويوتيوب Facebook et YouTube، تمّ عزل الرّئيس الشذالي في سنة 2013، وتولية العضو السيد عبد الرزاق الناجح رئيسا مؤقّتا، لتتمّتزكيّته رئيسا لولايتين اثنثين. تشكّل المكتب الجماعي لقبيلة بني خلوك من أغلبية ساحقة، الشيء الذي اعتبر أمرا عاديا في البداية، لأن الكلّ تجنّد للإطاحة بهرم الجماعة السّابق، فلولا هذا الاتّحاد الغير مسبوق لما تنحّى الشذالي. إبّان المعارك الطّاحنة بين والرئيس المعمّر والمعارضة التي بدت منقذة في البداية ، صرّحت هذه الأخيرة بأن الرئيس الشذالي لم يقم بشيء وأنّه يحتفظ بما يفوق المليار سنتيم في خزينة الجماعة، وآنذاك، علّقت قبيلة بني خلوك الآمال الكثيرة على المجلس الشّاب الذي أبان عن رؤية نقدية ناضجة لما يجب أن تكون عليه الجماعة بالنّظر إلى إمكانياتها الجغرافية والمادّية. للأسف الشّديد، سرعان ما تبخّرت الوعود التي تقدّم بها المكتب، فلا تنمية حقيقية تباهت بها بني خلوك أمام بنات الجيران اللّواتي تزيّنن وبدأن يضفين عليهنّ من الحليّ والإنجازات ما يستقّ الفخر والثّناء.
أتمّ الرئيس الحالي 13 من رئاسة الجماعة ومازالت ” دار لقمان على حالها ” وأسئلة عديدة تطرح حول نجاعته في تحريك عجلة التنمية، مع العلم أنّ القبيلة تعتمد على النشاط الفلاحي في توفير لقمة العيش، وما أفرزه شحّ الأمطار من مشاكل لدى ” الكسّابة “. جدير بالذكر أن رئاسة المجلس الجماعي أهّلت الرئيس عبد الرزّاق الناجح لعضوية مجلس جهة الدار البيضاء- سطات وتقلّده رئاسة لجنة الفلاح على صعيد الجهة، الشّيء الذي يطرح علامة استفهام عريضة عن ظروف التنمية الفلاحية والمشاريع التي لم تتم توجيه بوصلتها نحو قبيلة ومسقط رأس السّيد الرئيس عبد الرّزاق، كما نجد أنفسنا أما سؤال يطرح نفسه باستمرار : ماذا استافدت بني مسكين وقبيلة بني خلوك بالخصوص من هذه العضوية بأكبر الجهات وطنيا لمدة ليست بالهيّنة؟
كخلاصة عامّة، يمكننا القول إنّ قبيلة بني خلوك ظلمت مرّتين وأنها لا تستحق كلّ ما لحقها من التّهميش والإقصاء الذي تضرّرت منه بقصد أو عن غير قصد، وعزاؤها في ذلك منتخبون لم ينفتحوا على تجارب تنموية إقليميا ووطنيا وانشغالهم بمشاريعهم الخاصّة، والتي لا أحد يزايد عليها، بل إنها من صميم حقوقهم، لكنّنا نلفت انتباههم إلى أن التنمية هي غير ما يشتغلون عليه وأن لا يكون الانشغال عن الاجتهاد في جلب مشاريع تنموية والإلحاح في دقّ أبواب الوزارات جميعها هو سبب تراجع قبيلتنا العزيزة وألا نعمل بالمثل الفرنسي القائل: ” Sauver une vie par une vie, celà revient à tuer”
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.