بقلم :محمد سعد عبد اللطيف .مصر،
دوامات-التدين : ليوسف_زيدان
الكاتب المصري والمؤرخ والفيلسوف والباحث في التراث والمخطوطات المثير دائما للجدل قال ؛
بحسب المصادر اليهودية المبكرة والمتأخرة، وحسبما اتفق عليه غالبية المؤرِّخين والباحثين، فإن التوراة كتبها (عزرا الكاتب) إبان القرن الخامس قبل الميلاد .
وحكى فيها عن بدء الخليقة ووقائع حياة آباء الأنبياء من أمثال إبراهيم ويعقوب الذى غلب الله (إيل) فصار اسمه إسرائيل! وتفاصيل الخروج من مصر وتخريبها يوم (الفصح) أيام موسى التوراتى الذى كان يعيش بمصر حسبما قال عزرا الكاتب، قبله بقرابة الخمسمائة عام.
وحسبما يقول اليهود، كانت كتابتها فى أورشليم (القدس) بعد انتهاء السبى البابلى الذى قام به «نبوخذنصّر» حين سبى شعوب الهلال الخصيب (فلسطين، سوريا، لبنان، العراق) كى يعملوا بالسُّخرة فى بابل.
المدينة التى كان بها البرج، الذى اغتاظ منه الربُّ فنـزل من السماء، حسبما تقول التوراة، ودمَّرها…! وبلبل ألسنة الناس من يومها، فصاروا يتحدثون لغات مختلفة (وذلك هو التفسير التوراتى لاختلاف لغات البشر).
ولأن عزرا الكاتب كتب التوراة بعد قرون من الوقائع التى حكاها فيها، كان لابد من واسطة إلهية تجعل ما كتبه مقبولاً.. وهكذا صار الروح القدس (هرُّوح هقُّودِش) هو الذى أملى التوراة على عزر.. ا!
يقول الدكتور يوسف زيدان :-
التوراة هى أسفار موسى الخمسة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية) وقد لحقت بها أسفار أخرى للأنبياء الكبار من أمثال “إشعيا وإرميا”، والأنبياء الصغار من أمثال “عاموس وحبقوق”.. ومن مجموع هذه الأسفار كلها، يتألف (العهد القديم) الذى يقدسه اليهود والمسيحيون معاً. لكنهما ينفصلان من بعد ذلك فى تقديس المسيحيين للأناجيل، وتقديس اليهود للتلمود.
أحيا البطالمة الديانة اليهودية التى كانت مؤهلة للاندثار، حين استقدموا من أورشليم (إيليا، القدس) اثنين وسبعين عالماً من أحبار اليهود، واستضافوهم فى المدينة كى يترجموا التوراة من اللغة العبرية التى ما كان يعرفها آنذاك إلا قلَّةٌ قليلة، إلى اللغة اليونانية التى كانت لغة العلم والمعرفة والفكر والتجارة الدولية.. !!
وقد عُرفت هذه الترجمة السكندرية باسم (الترجمة السبعينية للتوراة) فى إشارة إلى عدد الأحبار الذين أنجزوها! ولم تُدعى بالترجمة السكندرية، ولا الترجمة البطلمية، ولا الترجمة المصرية، ولا الترجمة الناصرية!!.. فتأمل ذلك ، تفهم الكثير ….!! : ليوسف_زيدان …!!
وفي نفس السياق في دوامات التدين :- أثار الدكتور يوسف قضية أخري حيث قال:-
المسيحيين، من وجهة النظر اليهودية مجرد (ضالين). يتوهمون أن المسيح ( الماشيح ) المنتظر، جاء.
من حيث اللفظ والدلالة الاصطلاحية، فإن (الأرثوذكسية) هى كلمة يونانية الأصل، تعنى لغة (الاستقامة)، وتعنى اصطلاحاً (الإيمان القويم) وهى تستعمل فى التراثيات المسيحية للتفرقة بين الذين يرون فى أنفسهم أصحاب الدين الصحيح والإيمان القويم والأمانة المستقيمة (الأرثوذكس)، ويرون مخالفيهم فى العقيدة (هراطقة)
وعلى المنوال ذاته، ترى الجماعات اليهودية السلفية، أى الأرثوذكسية، ذاتها.. وترى الجماعات الإسلامية الأرثوذكسية، أى السلفية، ذاتها… ! فتأمَّلْ هذا التقابل، و تذكر الحديث النبوي : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))؛ قالوا : يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى..؟! قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (فَمَن؟!)
ويبدو أن النزعة الأرثوذكسية عموماً (السلفية) تعطى اهتمامها الأول للنص الثانى فى كل ديانة. يظهر ذلك فى اهتمام الأرثوذكسية اليهودية بالتلمود، واهتمام الأرثوذكسية المسيحية بالأعمال الآبائية المسماة فى التراث المسيحى (اعترافات الآباء) واهتمام الأرثوذكسية الإسلامية بالحديث الشريف.
ولعل ذلك النزوع الأرثوذكسى (السلفى) يعود فى المقام الأول إلى خصوصية (النص الثانى) وارتباطه بهذه الجماعة الدينية أو تلك، بالإضافة إلى التحديد الدلالى وصرامة المعانى فى النصوص الثوانى (التلمود- تراث الآباء- الحديث الشريف)
فى مقابل الاتساع الدلالى وقابلية التأويل فى النصوص الأولى (التوراة- الأناجيل- القرآن الكريم)، وهو الأمر الذى يناسب حدة وصرامة النزوع السلفى الأرثوذكسى، ويقيه فى الوقت ذاته من التماهى مع غيره من الاتجاهات الدينية فى هذه الديانات الثلاث، التى أرى أنها فى واقع أمرها «ديانة واحدة» ذات تجليات ثلاثة، حسبما أوضحتُ فى كتابى الأخير: اللاهوت العربى وأصول العنف الدينى .
وكان اكتمال كتابة التلمود (المشناة، والجمارا) فى القرن الخامس الميلادى، وظل بعدها فترة محجوباً بأيدى الجماعات اليهودية، حتى انتبه إليه مسيحيو أوروبا، وغاظهم ما فيه من تهجم على السيدة العذراء (مريم) وابنها المسيح (هَمَّشيح) فكانوا يحرقون التلمود كلما بلغ بهم السيل الزُّبى، أو الغيظ المنتهى.
واستمر الحال، على هذا المنوال، بين شدٍّ وجذب، حتى تعرَّف الناس على التلمود وترجموه إلى اللغات الأوروبية المختلفة، من دون أن يقدِّسوه بالطبع، لأنهم مسيحيون يقدسون العهد القديم أو التناخ (التوراة وأسفار الأنبياء والأسفار الكتابية) والعهد الجديد (الأناجيل وأعمال الرسل)
فانفرد عنهم اليهود بتقديس التلمود، وتزايدت أهميته عندهم، لأنه يكمل شريعتهم الموسوية، ويميِّزهم عن المسيحيين الذين هم من وجهة النظر اليهودية مجرد (ضالين). يتوهمون أن المسيح ( الماشيح ) المنتظر، جاء.
ومع تزايد أهمية التلمود، أى المشناة وشروحها المسماة (الجمارا) صارت التلمودية صفة أساسية لليهود، ولذلك سميت اليهودية المعاصرة باليهودية التلمودية وباليهودية الحاخامية.. وصار التلمود أهمَّ عند اليهود من التوراة، لأنه ينظم تفاصيل الحياة اليومية، ويؤكد الشريعة التى صاغها أجيالُ الفقهاء (الحاخامات) خلال ما يقرب من ألف سنة.
ولما قامت دولة إسرائيل مؤخراً، أعنى فى منتصف القرن العشرين، صار التلمود أكثر أهمية لأنه بمنـزلة الأساس الذى تستمد منه الدولة اليهودية ملامحها الدينية .وفي نهاية المقال أطرح سؤال علي الدكتور يوسف زيدان :- هل الأحداث الجارية في إسرائيل من حكومة نيتنياهو واليمين المتطرف بتغيير بعض مواد المحكمة العليا هي بداية إعلان إسرائيل دولة دينية ..؟! علما في فترات تولي نيتنياهو رئاسة الحكومة طالب الكنيست الإسرائيلي بمشروع يهودية الدولة ومشروع أخر ..بالتصويت في الكنيست أن تصبح إسرائيل دولة قومية . نرجوا طرح رؤيتة مع هذة التغييرات … ؟!
“محمد سعد عبد اللطيف ”
كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية”
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.