بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،فبراير،اكادير،2023
مقال:(15).
تنبيه: لست خبيرا اقتصاديا ، لكن لي وجهة نظر فيما يقع :
الأزمات تخلق حالة إحتقان إجتماعي يترجم الى مظاهرات و احتجاجات ومختلف التعابير لرفض الأزمة و مواجهة تداعياتها ،
في المغرب ظهرت ردود فعل عن الأزمة لا يمكن التنبأ بنتائجها ، نحن اليوم أمام حالة إحتقان نفسي ، مواطنون مغلوب على أمرهم ، وصلت الأسعار سقفا فاق التوقعات ،و دون سابق إشعار ،
لقد تفهم المغاربة الزيادات في كل المواد المرتبطة بنقل البضائع بسبب غلاء المحروقات نتيجة الأزمة العالمية ،
كما كان المغاربة يستعدون لرفع الدعم عن بعض المواد كالغاز الموجه للاستعمال المنزلي ، ورغم أن الزيادات ستتجاوز الضعف إلا أن الاشعار القبلي بشهور جعل المواطن يقبل و يتفهم.
لكن ما لا يستوعبه المواطنون هو هذه الزيادات الصاروخية التي مست موادا تعتبر اساس المائدة المغربية ،من لحوم بيضاء و حمراء و اسماك و خضر و فواكه و زيت المائدة ، وحتى المياه المعلبة و المياه الغازية ،وبعدها الشاي و السكر و الحليب ومشتقاته …
وسط هذه الأزمة ، لا يجد المواطن في الخطاب الرسمي ولا حتى في التحليلات الإقتصادية و المتابعات الصحفية ما يفسر هذا الوضع ،ولا حديث عن أية إجراءات استعجالية لمواجهة هذا الغلاء الفاحش ،
وأحيانا يجب أن يكون أي إجراء يتخذ محسوبا و مدروسا، فمثلا ،الزيادة الزهيدة التي استفاد منها المتقاعدون والتي لم تتجاوز المائة درهم ،أحس المواطن ان الحكومة بهذه الزيادة كأنها تستخف بمشاعر المواطن .
كما أن فتح الباب لاستيراد الابقار الموجهة للذبح يبدو مجرد إجراء مؤقت لمواجهة غلاء رمضان ، و الدولة على بعد شهور قليلة عن عيد الاضحى لا تقدم أي جواب لما ستكون عليه الأثمنة على ضوء الزيادات الحالية ،
يوميا تتزايد نسب فقدان مناصب الشغل بالمغرب ، و ذلك بسبب تأثر المقاولات بتقلبات السوق العالمية ،و تزايد نسبة التضخم محليا رغم صمود العملة الوطنية .
أما نسب البطالة في صفوف حاملي الشهادات فيكفي استعراض عدد المتقدمين لاجتياز الامتحانات كما هو الحال في امتحان المحاماة و الاعوان القضائيين ،ليتأكد لاي متتبع أن السوق المغربية عاجزة عن ربط حاجياتها بطبيعة الشواهد الجامعية ،التي لم تعد مقياسا لولوج سوق الشغل ، فالسوق اليوم تتجه لتعميم التقنيات التكنولوجيه الحديثة ،منا يجعل من خريجي الشعب الأدبية و القانونية مجرد شواهد لا تصلح الا للتعاقد في قطاع التعليم .
قبل عشرين سنة ، كان المغرب يعيش الجفاف ،و اقتصاده متذبذب ،وغير مستقر ، ساعتها لم تكن تملك البلاد مقومات اقتصاد تنافسي سوى في قطاع الخضر والفواكه و الاسماك ، اما الفوسفاط فهذا قطاع مبهم لا احد يعرف خباياه ولا مداخيله ولا طرق صرفها .
اليوم يفترض ان بلادنا انعشت اقتصادها بقطاعات حيوية مثل الطاقات المتجددة ،و صناعة السيارات ، و تزايد الطلب على الفوسفاط ، و الاكتشافات الغازية بعدة مناطق ،ناهيك عن تزايد الاحتياط من العملة الصعبة بسبب تزايد تحويلات الجالية المغربية بالخارج ،
كما أن الدولة في حكومة بنكيران ،اتخذت اصعب القرارات الاقتصادية التي اعطت لميزانية الدولة حصانة بعد الغاء صندوق المقاصة ،و اعتماد الحكامة في تدبير العديد من القطاعات …
كما أن المغرب انفتح على السوق الأفريقية ،التي فتحت للاقتصاد الوطني مجالا للانتعاش و التوسع وزيادة الموارد خاصة في العملة الصعبة ،
النظام الضريبي المغربي إعتمد منطق التعميم ليشمل قطاعات كانت معفية ، والارقام المتداولة مثلا في الضريبة المفروضة في القطاع الصحي تتحدث عن مداخيل جد مهمة . وكذلك الحال في القطاع الفلاحي و الآن بقطاع العدل .
يمكن القول اننا لم نعد دولة سائرة في طريق النمو ، واننا بمعايير الاقتصاد الدولي ،فنحن دولة نامية ، باقتصاد تنافسي متوازن بين صادراته ووارداته ،متعدد الاسواق ، و مستقر في عملته و احتياطه من الذهب و العملة الصعبة .
فمن اين تأتي هذه الأزمة ؟
ما الذي يجعل الدجاج صديق الفقراء يرتفع ثمنه بهذا الشكل الغير مفهوم ؟
ولا يمكن القول ان غلاء الاعلاف و التنقل هما السبب في هذا الغلاء ؟!!!!
وماذا عن اللحوم الحمراء ؟ كيف للاسعار ان ترتفع في كل الانواع من اغنام و ابقار و حتى لحم الإبل؟
منذ ثلاثة أشهر و التساقطات المطرية تعرف تفاوتات من منطقة إلى أخرى ، و هو ما يعني ان بلادنا لا تعيش جفافا بالمفهوم المعتاد ،عندما تمر سنة كاملة بلا تساقطات ، وان بلادنا تساقطاتها قليلة مقارنة بالمعدل الوطني في السنوات الماطرة…
في الدول التي تحكمها حكومات ليبرالية ،يكون طبيعيا إزدياد جشع الإقتصاد المتوحش الذي لا يلتفت للاعتبارات الوطنية و لا الاجتماعية ، و يكون فيه القوي يأكل الضعيف ،
لكن في حالة المغرب ،فهذه حكومة مكونة من أحزاب وطنية ، و تسمى بحكومة صاحب الجلالة ،مما يعني ان ضوابط الاقتصاد لا تخضع لهوى الحكومة ولا المقاولات و رساميل الشركات الكبرى ، بل محكومة بتوجهات وطنية ترعاها الدولة بمختلف مكوناتها.
فلماذا هذا الغلاء الغير مفهوم ؟
هل هو آلية جبانة للحد من نسب التضخم ؟ و بالتالي جمع السيولة من الاسواق ؟
اموال الفقراء التي يصرفونها على موائدهم تصرف في العربات المجرورة و في محلات بيع الدجاج ،و اللحوم في الاسواق الأسبوعية ، وهذه كلها قطاعات غير مهيكلة لا يشملها نظام الضرائب في عملية التسويق …
الحديث يطول ، و في المحصلة ، كل أزمة اقتصادية لها اجراءات و حلول والمواطن لم يراها ولم يلمس أثرها على حياته اليومية ،
أما عندما ينتفظ الشعب ،و يخرج الفقراء الى الشارع ، لا احد يتنبأ ماذا سيحدث ، ففي المظاهرات كل لما هجر له ، قد تجد بين المتظاهرين متهورا واحدا يجر الحشود بحماستهم الى ما لا تحمد عقباه…
فهل تعتبرون ؟
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.