أشادت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، اليوم الأربعاء بفاس، بالعناية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة لتثمين مختلف مكونات التراث المادي واللامادي للمملكة وأوضحت السيدة المنصوري، في كلمة خلال ورشة علمية نظمتها وكالة بيت مال القدس الشريف بتعاون مع وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس بدعم من الوزارة حول موضوع “بين فاس والقدس: حماية العمارة الأثرية وصيانتها واجب مشترك للإنسانية”، تلاها نيابة عنها السيد رضا كنون، المفتش العام لقطاع إعداد التراب الوطن ي والتعمير، أن هذه العناية السامية تأتي اعتبارا لكون التراث المادي واللامادي للمملكة يشكل رافعة مهمة للتنمية المجالية، والذي تشكل المدن العتيقة والقصور والقصبات إحدى مكوناته الرئيسية
وتابعت أن الوزارة عملت على وضع التراث المعماري في صلب برامجها الاستراتيجية عبر توظيف آليات ناجعة للتدخل مع اعتبار واستحضار الأبعاد التشريعية والتنظيمية والعمرانية والتمويلية والعقارية وبإشراك باقي القطاعات الحكومية والمنتخبين وممثلي المجتمع المدني في اتخاذ القرار بخصوصه وبمستقبله واستعرضت، في هذا السياق، برنامج عمل الوزارة الذي يتمحور حول إنجاز استراتيجية وطنية خاصة بالمدن العتيقة والقصبات وأخرى تعنى بالمشاهد الطبيعية، ووضع إطار مرجعي قانوني لكل التدخلات عبر تغطية المدن العتيقة بتصاميم التهيئة ورد الاعتبار لهذه الأنسجة بشراكة مع الوكالات الحضرية كما يتعلق الأمر، حسب الوزيرة، بتغطية المدن العتيقة بميثاق الهندسة المعمارية الذي يعد دليل التدخل المعماري الذي يتم العمل به من طرف المنظومة المحليةقصد المحافظة على النسق العمراني للمدن وإدماج عناصر معمارية أصيلة تستندللموروث المعماري والزخرفي التقليدي، وإنجاز مشاريع ترميم ورد الاعتبار لمجموعة من القصور والقصبات بالمناطق شبه الصحراوية (17 قصرا وقصبة)ويهم الأمر كذلك إحداث الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط كمؤسسة تعنى بتأطير عملية التدخل في مجال المباني الآيلة للسقوط وعمليات التجديد الحضري وذلك وفق رؤية استباقية تهدف إلى تحسين ظروف عيش الساكنة والحفاظ على المشهد العمراني والتاريخي والحضاري للأنسجة العتيقة وأشارت السيدة المنصوري أيضا إلى المساهمة في برامج تثمين المدن العتيقة للرباط ومراكش وسلا ومكناس وتطوان والصويرة والبرنامج التكميلي لتثمين المدينة العتيقة لفاس والشطر الثالث من برنامج المباني الآيلة للسقوط لإعادة تأهيل المدينة القديمة للدار البيضاء وتابعت أنه تم أيضا إبرام اتفاقية بين الوزارة ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وجامعة غرف الصناعة التقليدية بالمغرب والهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين، تهدف إلى وضع إطار لشراكة تعمل على تعزيز إمكانية إدماج مواد ومنتوجات الصناعة التقليدية في إنجاز وتزيين وتأثيث البنايات والمنشآت العمرانية وذلك بغية الحفاظ على خصوصية المعمار التقليدي الأصيل وتوفير فرص مستدامة للشغل مع تشجيع وتثمين المنتوج الوطني وإدخاله في الدورة الاقتصادية ومن ضمن المحاور الهامة، أشارت الوزيرة إلى التحسيس والتعريف بالخصوصيات المعمارية للأنسجة العتيقة عبر إصدار مؤلف “أطلس المدن العتيقة”، وإدراج تكوين تخصصي ما بعد دبلوم الهندسة المعمارية ي عنى بالتراث المعماري ومهنه على مستوى المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية في سياق متصل، أفادت السيدة المنصوري بأن جل ربوع المملكة تختزن تراثا عمرانيا متنوعا حافظ على حضور مؤثر في نمو إطارنا المبني المعاصر، معتبرة أن المدن العتيقة والقصور والقصبات في المغرب شبه الصحراوي والعمارة القروية بجبال الأطلس والريف والنمط العمراني المميز للمناطق الشرقية والأقاليم الجنوبية للمملكة، بالإضافة إلى المنتوج العمراني لفترة الحماية، تشكل نماذج عمرانية أعطت المغرب خصوصية مجالية كانت نتيجة لتفاعل المقومات المحلية، والإنسانية والمادية مع المبادئ الأساسية لثقافتنا.
وأشارت إلى أن منظومة المدن العتيقة التي تتوزع على 32 مدينة مغربية لعبت ولا تزال أدوارا ووظائف متعددة على مستوى السكن والتجارة والصناعة والترفيه والعلاقات الاجتماعية مما جعلها بأن تكون منذ قرون من الزمن “مدنا مستدامة وشاملة ودامجة”وأبرزت الوزيرة أن الخصوصيات العمرانية والمعمارية للمجال المغربي تعكس تنوعا في المواد المستعملة في البناء واختلافا في الوظائف وفي ظروف العيش وتنوعا في المواقع الجغرافية، وكل ذلك يشكل غنى تراثيا عظيما.
وأكدت أن خير دليل على هذا الغنى هو الاعتراف والتنويه الدولي بهذا التراث، حيث تم إدراج مجموعة من المواقع الأثرية وبعض المدن العتيقة كفاس ومراكش ومكناس وتطوان والصويرة والرباط ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني من طرف منظمة اليونسكو التي أشادت بالمجهودات المبذولة في سبيل إنقاذ هذا التراث من الضياع والتلف.
ولاحظت السيدة المنصوري أنه على الرغم من المجهودات التي ما فتئ المغرب يبذلها للمحافظة على تراثه المعماري والعمراني، لا يزال هذا التراث عرضة لمجموعة من التحديات العمرانية والسوسيو-اقتصادية بفعل عوامل عديدة يتداخل فيها ما هو طبيعي وبشري من جهة أخرى، أكدت الوزيرة أنه مسألة حماية وصون التراث العمراني والمعماري من الأخطار التي تعترضه شكلت أحد اهتمامات الهيئات الدولية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، مشيرة إلى انه تم إصدار العديد من المواثيق الدولية التي تعتبر مرجعا لجميع الدول في سن وتطوير القوانين والتشريعات المنظمة لعملية الحفاظ ورد الاعتبار له، التي تقدم خطوطا عريضة للمفاهيم المتعلقة برعاية وصيانة واحترام التراث وعدم التعرض له بما يحط من قيمته التاريخية والفنية. وشددت على أنه، بحكم تركيبة إشكالية التراث بشكل عام، كان من اللازم التفكير في إطار عقلاني للتدخل بمنهج ووسائل ملائمة، ينصب على ضبط الجانب المؤسساتي والإطار التنظيمي وإمكانيات التمويل دون إغفال جانب تكوين المتدخلين في مجال المحافظة ورد الاعتبار لهذا التراث وخلصت السيدة المنصوري إلى أن عملية رد الاعتبار للتراث المعماري والعمراني تقتضي توفير العديد من الإمكانات المادية والفنية والبشرية لدعمه وتثمينه من أجل أن يضطلع بدوره التنموي في المجتمع، ومن أجل أن يحافظ على خصوصياته وأصالته في قالب معاصر يستجيب لمعطيات الحاضر.
تجدر الإشارة إلى أن انعقاد هذه الورشة، التي جرت بحضور المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف ، وأمين عام هيئة الرئاسة بجامعة القدس، وممثل سفارة دولة فلسطين بالرباط وشخصيات أخرى، يندرج في إطار زيارة وفد من الم هندسين الفلسطينيين من القدس للمملكة المغربية في الفترة ما بين 5 و 12 ديسمبر الجاري وعرفت الورشة مشاركة خبراء من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والاسكان وسياسة المدينة ومهندسين فلسطينيين من جامعة القدس، ومن اليونيسكو والإيسيسكو ووكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس وجمعية فاس سايس، بالإضافة إلى رئيس جمعية المهندسين المعماريين في القدس، والهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين والوكالة الحضرية لفاس، فضلا عن عدد من الأساتذة الباحثين المنتمين للجامعات وللمدارس العليا بجهة فاس مكناس.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.