تمتد الواجهة البحرية لإقليم آسفي على المحيط الاطلسي على مسافة 120 كيلومترا تقريبا ،و رغم طولها إلا أن حلم ساكنة هذا الاقليم الساحلي يظل مؤجلا قصد تبوإ مكانة سياحية تليق بغنى عمقه التاريخي و الحضاري الزاخر الذي راكمه منذ القدم.
يعيش الإقليم التناقض بعينه فهو ساحلي و يتمتع بواجهة سياحية بحرية خلابة تتشكل من سهول و مرتفعات تتواجد بها شواطئ بخصوصيات مختلفة تضم مؤهلات طبيعية مهمة تجمع بين رمال ذات جودة عالية و سواقي و عيون مائية صخرية عذبة غزيرة متدفقة في البحر ، إلا أن الساكنة محكوم عليها ،مع كل أسف، بالتنقل عشرات الكيلومترات رغبة في الوصول الى شواطئ مفتوحة و محروسة و ذات تجهيزات ملائمة.
و بدون شك لو تم توظيف هذه المؤهلات بالشكل المطلوب و ذلك بتنمية هذا الشريط الساحلي الهام من خلال خلق مرافق و منتجعات سياحية ذات جودة عالية لتحول الاقليم إلى وجهة سياحية وطنية و دولية جذابة بامتياز ستساهم ،لا محالة، في تنمية الموارد المالية و المادية لساكنة المنطقة المهمشة.
شواطئ محروسة بكرم اوليائها الصالحين:
شاطئ سيدي بو الذهب:
في الماضي القريب كان أهل آسفي يقصدون شاطئ سيدي بوالذهب الصغيرالمجاور لقصر البحر و المتواجد بقلب المدينة للاستجمام و الاستمتاع بغروب الشمس الممتع فكان هو المتنفس الوحيد لساكنة المدينة العتيقة و لزوارها ، ذاع صيته في الأغنية الشعبية المغربية عبر كافة التراب الوطني من خلال الجملة التالية:(سيدي بوالذهب المواج كتقلب) إلا أنه مع مرور الوقت أقبر و أغلق لدواعي لا يعلمها إلا المسؤولون حيث انضاف بدوره إلى كورنيش المدينة المعطل و المخرب و الذي أصبح منظره يبعث على التحسر و الأسى و التقزز نظرا لحجم الإهمال و التهميش الذي طاله من لدن المنتخبين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي ، إذ لم تشفع القيمة الروحية و التاريخية لزاوية الشيخ أبو محمد صالح و لا سيدي الجزولي و لاسيدي لغليمي في رد الاعتبار لهذه النافذة البحرية المهمة للمدينة .
شاطئ المدينة:
كان يسمى قديما بشاطئ تافتاشين و هو شاطئ موسمي مرافقه بئيسة و فقيرة و معدودة على رؤوس الأصابع إذ لا تتعدى ممرا جانبيا و بناية للرياضات البحرية و ملاعب رياضية هزيلة و هشة ، فبعد انصرام فصل الصيف يصير الشاطئ خال تماما من عشاقه نظرا لقلة المرافق الضرورية أو انعدامها من مقاهي و مطاعم و وسائل ترفيهية علما أن الميناء المجاور للشاطئ كان أرحم بزواره في السابق بحكم توفره على ناد ترفيهي يتوافد عليه عشاقه من كل أرجاء المدينة، كما أن القيمة التاريخية و الروحية للميناء لم يعد لها معنى و لعل الحالة المزرية التي أصبح عليها الولي الصالح سيدي بوزكري خير دليل على ما نقول ، هذا الولي الذي كان يشكل فيما مضى رمزا للخير الوفير لدى صيادي المدينة و نواحيها إذ كانوا يتوافدون عليه من كل حدب و صوب لاحياء موسمه فيحضرون له الذبائح و القرابين طمعا في جود البحر عليهم.
رأس الأفعى و للا ميرة:
كان سكان المدينة يتوسمون خيرا عندما عبدت طريق رأس الأفعى ، بل كان طموح أغلبهم أن يتم ربطها بشاطئ المدينة الوحيد و أن يتم تشييد مرافق مميزة ترفع من عدد زوارها ، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل ؛ حيث تحول هذا الممر الطرقي إلى مرتع آمن لقطاع الطرق و المتسكعين و السكارى ، وأصبح المرور منه محفوفا بالمخاطر ، بل و الأقبح من ذلك ، فعند هطول زخات مطرية خفيفة أو قوية تجرف السيول المائية أجزاء مهمة من هذا الممر ليظهر لك بجلاء الغش الفاضح و الهشاشة البنيوية لهذا المقطع الطرقي حيث تبادر السلطلت المحلية كل مرة لوضع حواجز تمنع المرور إلى رأس الأفعى.
و بالمحاداة العلوية لهذا الممر ،توجد عين للا ميرة و التي تختزن دلالات خرافية و أسطورية في المخيلة الشعبية لساكنة المدينة و الإقليم إذ كانت تقصدها العازبات اللواتي لم يحالفهن الحظ في الزواج أو النساء العاقرات طمعا في كسر النحس الذي يلازم خصوبتهن ،حيث كن يمارسن طقوس الاستحمام بمياه عينها العذبة والمنسكبة لتحقيق أغراضهن. و مع مرور الوقت تعرض هذا المكان الرائع للاهمال و النسيان و لم يتم توظيف دلالاته الأسطورية لمضاعفة عدد زواره.
شاطئ البدوزة :
يعد من أكثر الشواطئ التي تعرضت للظلم و الغبن، من زاره سنوات خلت و زاره اليوم لن يحس بتغيير ملامحه نظرا لانعدام الرؤية و البرامج التنموية لدى المتعاقبين على الشأن المحلي و الوطني ، بدأ بسيطا منذ الإستقلال و لا زال كذلك ، علما أن المكان عميق بموروثه التاريخي و تراثه المادي ، يحتاج فقط الى عقول نيرة غيورة مدركة لقيمة هذا التجدر الحضاري فرتوشات خفيفة و اهتمامات مدروسة واعية متتالية ستجعل منه محجا حقيقيا لعشاق الاصطياف ،أما الجانب الروحي للمكان فيرتبط لدى الساكنة بالحج الأصغر الذي يقام سنويا بسيدي شاشكال و الذي لا زال صامدا رغم مرور الزمن ،لأن المدخل الرئيسي للبدوزة يكون عبر السفر في الدلالات الروحية لهذا الحج و في التاريخ الزاخر للمجموعات العرقية التي قطنت المنطقة قديما لا بطمس الدور الريادي و الحضاري الذي لعبته في الأزمنة الغابرة .
شاطئ كرام الضيف:
يكفي أن له جميع مؤهلات شاطئ الوالدية، بحكم الجوار والطبيعة التي لا مثيل لها، لكنه يعاني بدوره الإهمال و النسيان و لا زال إلى يومنا هذا بعيدا كل البعد عن برامج و مخططات الحكومات التي تعاقبت على الشأن الوطني، فللمكان قيمة تاريخية و قدسية روحية تجلت أساسا من خلال كرامات الولي الصالح سيدي كرام الضيف ، الذي كرس حياته في الأزمنة الغابرة للسخاء و العطاء العلمي يقصده الزوار و عابرو السبيل من كل حدب وصوب ، إلا أنه مع كل أسف لم يحض هذا المكان بعطف و جود و كرم المسؤولين فظل هذا الولي مسمرا على صخرة و عرضة للنسيان و معه شاطئ ذو مؤهلات كبيرة لا يدخل في الحسابات التنموية للوطنية ليبقى مصدر مضاربات عقارية جائرة و منبتا حقيقيا للبناء العشوائي الفاحش و خاصة بدوار “حيوط الشعير” المطل على الولي الصالح سيدي كرام الضيف.
شاطئ للا فاطنة:
يعد هذا الشاطئ من بين الأماكن الجميلة التي تستهوي عشاق الرياضات البحرية ، أقيمت به عدة مسابقات وطنية و دولية ، يبعد بحوالي 13كيلومترا عن مدينة آسفي ، لعب دورا هاما في استقطاب سكان المنطقة الشمالية للمدينة و رغم قيمته الرياضية و جودة رماله و منظره الخلاب و وجوده بين عيون مائية أهمها عين سيدي بن كرارة و عين دراق ،إلا أنه مع كل آسف شديد شاطئ منسي لم ينل حقه من التنمية،و لا توجد به أدنى المرافق الاجتماعية و الرياضية ، لينضاف بدوره إلى قائمة الشواطئ المهمشة بالإقليم.
شاطئ الصويرة القديمة :
يعد من بين أجود الشواطئ المغربية يتوفرعلى موقع سياحي مميز و على مؤهلات طبيعية غابوية يصب به نهر تانسيفت ، يجمع بين نسيم البر و البحر والوادي والهضبة ، به ميناء صغير ذو خير وفير، يعد من الشواطئ التي حصلت على اللواء الأزرق ، عرف حركة تنموية هامة في السنوات الأخيرة و خاصة في مجال التوسع العمراني و الاستثمارات العقارية و المساهمة الوازنة للمكتب الشريف للفوسفاط في تنشيط مصطافه ، لكنه بمجرد أن اتخدت الحكومة قرارها المشؤوم بتشييد المحطة الحرارية بالمنطقة بادر العديد من القاطنين بالشاطئ إلى بيع عقاراتهم و شققهم و منازلهم خوفا من المخاطر البيئية والصحية للمحطة الحرارية الفحمية التي شرع في تشييدها منذ ثلاث سنوات تقريبا، فالدور السكنية للشاطئ تتحول ،بمجرد انتهاء فصل الصيف ،إلى أشباح اسمنتية مخيفة خالية ،تماما، من الحركة لتعيش بقية السنة على وقع البؤس و الاكتئاب و السكون ، فالمكان عرف ، قديما، حركة تجارية هامة عبر بوابة ميناء”أكوز” و الذي أصبح يعرف فيما بعد بالصويرية القديمة و التي تختزل ،بدورها، ذاكرة تاريخية و روحية مهمة حيث تشتهر منطقة المعاشات ب”دور شرفاء ركراكة” الذين عملوا على مدار القرون الخالية على ترسيخ العقيدة الإسلامية بين سكان الأمازيغ والشياظمة و عبدة كما لعبوا أدوارا طلائعية في التوازنات السياسية و الاجتماعية في تاريخ الدول التي تعاقبت على حكم المغرب ، و تحتفل المنطقة سنويا بموسم الولي الصالح سيدي احساين مول الباب بزاوية رتنانة ، إلا أن المكانة الروحية لهذا الولي لم تشفع في الاستقرار المكثف للساكنة بالإقامات الجميلة لمصطاف الصويرية القديمة.
هذه حقائق مقلقة و صادمة ، تستدعي تدخلا عاجلا من صناع القرار على الصعيد الوطني لأن الواجهة البحرية لإقليم آسفي تعد ،حقا، من أفقر الأقاليم الوطنية من حيث البنى التحتية للشواطئ ، فرغم جودة رمالها و نظافتها و حصول ثلاث منها على اللواء الأزرق فإن معظمها يتعرض ،باستمرار، للاستغلال و الاستنزاف ، فماذا استفادت بعض الجماعات الساحلية التي تتواجد بها مقالع للرمال و التي تستخرج منها آلاف الأطنان من الرمال يوميا و التي يتم تسويقها محليا و وطنيا؟ ألا يحق لهذه المناطق أن تستفيد من ثروة تجود بها التعرية البحرية على سواحلها؟ أين تذهب المداخيل المالية الخيالية لهذه الثروة الساحلية؟إلى متى سيظل اقتصاد الريع هو قدر هذه المناطق حيث لا يظهر أثر النعم التي حباها الله بها على تنميتها ؟
هذه مجرد أسئلة و مثلها كثير ، تجعلنا أمام مفارقة تاريخية عجيبة ، فشتان ما بين أدوار حوالي 1000 من “السادات”و الأولياء الصالحين لهذه البوابة الأطلسية و الذين كان لهم دور ريادي،قديما، في إصلاح البلاد والعباد و في الكرم و السخاء و الزهد و التصوف و في مقاومة الغزو الاجنبي و في استقرار المغرب و بين أولياء أمور منتخبين همهم الوحيد تكديس و مراكمة الثروات و استنزاف الخيرات .
محمد افنوني/ نبيل المودن
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.