متابعة/
في عالمٍ ما يزال يهمش صوت المرأة في بعض زوايا الحرف والكلمة، تخرج من بين طيات الأرض المغربية صرخة حميمية، هذه الصرخة تحمل اسم “خايفة”، الديوان الجديد للزجالة المغربية فاطمة عوينتي التي استطاعت أن ترسم بصمتها النسائية مكانة خاصة في خارطة الزجل الشعبي.
لا يصنف ديوان “خايفة” كمجموعة شعرية عابرة أو مجرد كلمات تنظمها قافية، بل هو وثيقة وجودية تعكس روح امرأة مغربية تعيش بين الواقع المرير والأحلام التي لم تحقَق بعد. تكتب فاطمة بلغة الدارجة، اللغة التي تعرف كيف تخترق القلوب ببساطتها وصدقها، لتصبح كل قصيدة منها انعكاسا لحياة مليئة بالألم والفرح والتمرد..
تختار فاطمة التعبير عن مشاعرها باللهجة العامية ليس لأنها لا تقدر العربية الفصحى، بل لأنها تؤمن بأن الكلمات يجب أن تكون قريبة من الناس، من الحياة اليومية، ومن ضربات القلب، هذا الاختيار الجريء جعل كلماتها تلامس وجدان القارئ البسيط قبل المثقف، وتمنحها صوتا حقيقيا لا يقاوم.
في ديوانها هذا، لا تكتفي الزجالة بأن تكون متفرجة على أحداث حياتها، بل تقدم نفسها كفاعلة، كإنسانة تملك آراءها وجراحها ورغبتها في العيش بكرامة، وتظهر في قصائدها الجانب الإنساني الكامل للمرأة: هي الأم، وهي الحبيبة، وهي المتمردة، وهي الضحية، وهي المنقذة لنفسها.
اللافت أيضا في هذا الديوان هو اختيار اسم “خايفة” له، حيث يبدو وكأنه يدل على الخوف، لكن فاطمة تحول هذا الاسم إلى رمز للجرأة، فـ”خايفة” هنا ليست خائفة، بل هي من جرب الخوف ثم تجاوزه، لتكتب من موقع القوة والوعي.
تعيد فاطمة تعريف الزجل الشعبي في القرن الواحد والعشرين، حيث تلتقي فيه الأصالة بالحداثة، وتستخدم الوزن الشعري بطريقة متميزة، دون أن تستسلم لقواعد جامدة، مما يجعل شعرها يتناسب مع إيقاع الزمن الحديث ويصل إلى الشباب أيضا، الذين اعتادوا على الموسيقى والكلمات السريعة.
“خايفة” ليس مجرد مجموعة قصائد، بل هو صرخة حرية، هو صوت المرأة المغربية التي لم تعد تقبل الصمت، هو وجه فاطمة عوينتي الذي تدمه للعالم بجرأة وإحساس، إنها شمعة صغيرة تضيء طريق الكثيرات اللواتي يبحثن عن كلمة تشبههن، وأحاسيس تلامس وجعهن وفرحهن.
“خايفة” إذا، ليس عنوانا لديوان، بل عنوانا لمرحلة جديدة من الشعر النسائي في خزانة الزجل المغربي.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.