بقلم عبد المالك بوغابة
رئيس الجمعية المتوسطية للسياحة بالريف
للطبيعة دور أساسي في تهذيب سلوك الإنسان و تنمية ذوقه و ثقافته ، كما تساهم في التوازن النفسي و الجسدي ، وفى تجنب عدة أمراض، أصبح السائح المحلى أو الأجنبي يجد في الطبيعة والغابة راحة وهدوءا ومتعة بصرية وفكرية.
وجرت العادة في مدينة الحسيمة أن تقوم العائلات برحلات جماعية وخرجات للنزهة في الغابة المجاورة ، ومازالت هذه العادة ، جارية لدى سكان الحسيمة ، بالرغم من إعدام كثير من الغابات التي تحولت إلى بنايات إسمنتية.
وتعتبر الغابة من متطلبات النشاط السياحي حاليا بالمغرب كما بمناطق أخرى، وللوقوف على أهميتها لابأس من ذكر دور الغابات في حماية البيئة والتلاقح الطبيعي؟؟
الغابة هي الرئة التي تتنفس منها المدينة ، ويعرف الجميع كيف تمنح الغابة الهواء النقي وتقلل من التلوث ومخاطره التي تلحق بالإنسان والحيوان والطبيعة في آن واحد، كما للغابات دور في التوازن الطبيعي منذ الأزل ، وكذلك دورها في تثبيت التربة وفي تلطيف المناخ وفي حدوث عملية التبخر الأساسية التي تعطي الأمطار . كما أن جذور الأشجار تعمل على جلب الماء من باطن الأرض ليرتوي بها الإنسان والحيوان والطيور والنباتات، كما تتحول أوراق الأشجار المتساقطة إلى أسمدة تساهم في تخصيب الأرض.
أهمية الغابات:
لا تقتصر الغابة على كونها غطاء شاسع أخضر لكن لها مغزى اقتصادي وصناعي بل واستجمامي أيضا ، كما أنها تمنع تدهور التربة وتآكلها ، وتحمى ينابيع المياه ، وتحافظ على استقرار الجبال ، كما أنها تحد من تأثير الصعوبات الخضراء والتي تساهم في ظاهرة الإحترار العالمي من خلال البساط الأخضر الذي يمتص غاز ثاني أكسيد الكربون.
وتعتبر الغابة بيئة وموطنا طبيعيا للحيوان والنبات حيث تضم حوالي 2/3 من كائنات الكرة الأرضية ، لذلك فهي تساعد على حماية التنوع البيولوجي من الانقراض وعلى المستوى الاقتصادي ، وتعتبر مصدرا للطاقة والمواد الخام ، كما لعبت الغابة على مر العصور دورا حضاريا وتاريخيا هائلا حيث كانت موطنا للعنصر البشري منذ القدم.
وبالرغم من أهمية الغابة ، فما زالت التقارير تشير إلى التدهور المستمر في مساحتها الشاسعة ، حيث أقرت الإحصائيات بأن نسبة الغابة التي تعرضت للتدهور وصلت إلى نصف مساحتها وخاصة خلال الثلاث عقود الأخيرة ، وأصبحت مهددة أيضا بالانقراض، ويرجع ذلك لأسباب اقتصادية لتحقيق النمو المستدام لاقتصاد الدول ، والاستهلاك المتزايد لها للموارد الطبيعية، تأثير غازات الصوب الخضراء ، ومتطلبات السكان الآخذين في التزايد للاستقرار في أراضي جديدة. بالإضافة إلى السياسات الخاطئة المتبعة من قبل المسؤولين لتسكين الأفراد وإقامة المباني هناك بدلا من تشجيع السياحة في هذه المناطق الخلابة وانتشار التجارة غير المشروعة بها.
الأحزمة الغابوية والتنمية الحضرية المستدامة (غابة ميرادور نموذجا)
الأحزمة الغابوية هي امتداد مفتوح لمجالات طبيعية أو غابوية أو زراعية متواجدة أو مهيأة حول مدارات المدن أو في بعض أجزاءها. إن الهدف من الحفاظ على هذه المجالات وتهيئتها متعددة ومتنوعة وتختلف حسب اختلاف منعشيها والقائمين عليها وحسب المهام المتوخات منها والخصوصيات الجغرافية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية …، للمدن المعنية . ورغم أنه لايمكن تعداد جميع فوائد ومهام الأحزمة الغابوية في هذا المقال ، فمن المعروف أن الأحزمة الغابوية سواء الطبيعية أو المهيأة بجوار أو داخل المدن تلعب أدوارا حيوية كثيرة.
لقد عرف الريف عبر تاريخه الطويل أشكالا من الأحزمة الغابوية التي كانت تلعب وظائف اقتصادية واجتماعية وبيئية وترفيهية… هذه المساحات الخضراء التي تحيط بالمدن كانت على شكل حدائق زراعية ( عرسات ) أو أراض فلاحية أو غابات طبيعية . كما أحدثت العديد من المحميات الطبيعية ذات أهداف مختلفة سواء بجوار المدن أو وسط التجمعات القروية . كالمحمية الوطنية للحسيمة و كتامة والنواحي ، وغابة السواني وغيرها… غالبا ما أسستها القبائل لأغراض خاصة . ولهذا تنشأ كل محمية من أجل أهداف ووظائف مختلفة وذلك حسب الموقع وحجم المكان المحمي وحاجيات المنطقة المعنية.
ولقد عرف أجدادنا منذ القدم كيف يوفرون حماية المنطقة عبر أحزمة غابوية تلف المدينة من كل جوانبها وتقوم بتصفية الهواء والحيلولة دون وصول الرياح المحملة بالغبار إلى قلب المدينة . لكن التلوث عاد إلى الحسيمة بسبب القضاء شبه النهائي على الغابات المحيط بها ، وهذه الظاهرة قد تزداد استفحالا مع التدهور السريع والخطير للغطاء الغابوي الذي يحاربه الإسمنتيون بدون شفقة ولا رحمة. كما حدث على سبيل المثال لغابة ميرادور(السفساف).
التعريف:
تقع جغرافية الحزام الغابوي لميرادور (السفساف) ، وسط الشمال الشرقي لمدينة الحسيمة ، على مساحة تقدر بالعديد من الهكتارات ، تحد من الجنوب بثانوية البادسي وجزء من حي مرموشى ، شرقا بمدرسة محمد الخامس والملعب البلدي ، شمالا بشاطئ صباديا ، وغربا بأغرار أبولاي. ويعود تاريخ غرسها إلى فترة الاستعمار، وجزء منها تم غرسه مباشرة بعد الاستقلال في إطار ما تم تسميته بمشروع الديرو ، وأحدثت هذه الغابة فوق أراض رملية من الجودة العالية المعروف باللغة الإسبانبة ب (ليماصو) ، فتحتوي على غابة طبيعية تتكون من أشجار الأوكلبتوس و الصنوبر وأنواع أخرى من النباتات. وأنواع من الطيور هذا المعطى منحه بعدا ايكولوجيا مميزا وأهمية كبيرة في المحافظة على البيئة والتنوع البيولوجي داخل المدار الحضري لمدينة الحسيمة وجعله متنفسا طبيعيا للمدينة ومنتزها حضريا فسيحا وميدانا لممارسة بعض الرياضات . وكانت توجد بهذه المنطقة مباني قديمة من عهد الإسبان كمقهى ميرادور مكان نادي المضرب حاليا والمصلة ومباني إستعمارية التابعة حاليا لإدارة المياه والغابات والفلاحة. التي كان البناء فيها محرما إلى مجالات تسمى أماكن للتنشيط السياحي والثقافي ، وهي تسميات لا وقع لها على أرض الواقع ، فلا سياح ولا ثقافة ولا هم يحزنون بالحسيمة…
وكانت الغابة الوحيدة بالمدينة التي كان التلاميذ والطلاب يحجون إليها للمطالعة وتهيئ الامتحانات والترويح عن النفس ، وكان ارتباط أهالي الحسيمة بهذه الغابة ووعيهم بأهميتها في حياتهم اليومية يعود إلى ثقافة بيئية متجذرة في التربية وفي مجتمعهم، ويمكن اعتبارها كذلك الرئة التي توفر للمدينة هواء نقيا وموقعا مميزا منحها منظرا جماليا رائعا ، وكان (السياح ألإسبان) يجدون فيها مجالا للمتعة والراحة والاستراحة ، فأصبحت الأن في خبر كان.
ومن بين الأهداف ووظيفة هذا الحزام الغابوي لميرادور وهي أداة لإعداد وتهيئة التراب وعلى سبيل المثال إنشائها تم للحد من التوسع العمراني أو لإعادة توجيه التعمير إلى اتجاهات أخرى من المجال حسب رغبات المخططين كما يمكن استعمالها لمحاربة الفيضانات وذلك بكبح جزء من مياه الأمطار وتنظيم تدفقها أو تغيير اتجاهها لتفادي الأضرار والخسائر التي يمكن أن تلحق بالمساكن والسكان عند وقوع الفبضانات . ويمكن كذلك الاستفادة من الأحزمة الغابوية من أجل تثبيت الرمال خصوصا في هذه المنطقة وتقليص الزوابع الرملية وكذا خفض قوة وسرعة الرياح خاصة التي تأتي من جهة بحر صابديا.
وقد دخل إقليم الحسيمة منذ السبعينيات في مرحلة من العمران السريع ، كما يتوسع قطاع البناء على حساب قطاعات اقتصادية منتجة خاصة إذا ما عرفنا أن المصادر الوطنية للدخل الفردي محدودة ،
اللوبيات العقار بالحسيمة: بداية التشكل اللوبيات العقار بمدينة الحسيمة في منتصف الستينات من القرن الماضي على خلفية قبائلية وإنتخابوية على رئاسة السلطة من أجل التحكم في مصير ومستقبل هذه المدينة وتصبح قوة اقتصادية على اعتبار أن السلطة (المجلس البلدي) هو المدخل الرئيسي في تدبير الشأن المحلي ، وتتشكل هذه اللوبيات إلى صنفين:
– الصنف الأول يتمثل في اللوبي(مركيز دكوبا )الذين استحوذ واحتل منطقة غرب وجنوب الحسيمة متمركزين في : منطقة مروبيخو – مطاذيرو وجزء من كلابونيط…
– الصنف الثاني يتمثل في اللوبي (منتخبوا ديكوبا) الذي استحوذ واحتل من جهتهم على وسط والجنوب الشرقي للحسيمة و تمركز على منطقة غابة السفساف (حي المنزه حاليا) أغزار أبولاي ومرموشة…
بداية المجزرة لغابة ميرادور (السفسا):
مع بداية السبعينات وبعد رئاسة المجلس البلدي لمدينة الحسيمة ، وكذا المجالس المتعاقبة التي جاءت بعده ، أول نقطة في جدول أعمالهم هي (العقار) و كيفية توسيع وتجزأت الحسيمة لتصبح مدينة إسمنتية بامتياز وتدمير جميع المؤهلات الطبيعة والتاريخية التي كانت تزخر بها المدينة من مآثر تاريخية وفضاءات خضراء والجبال المحيطة بالمدينة (جبل الرومان ، جبل سيدي عابد ، جبل موروبيخو ، جبل مرموشة جبل المرسى). هنا يتجلى تصور المسؤولين والمنتخبون الذين كانوا يتحكمون في مصير هذه المدينة العزيزة ، بحيث تم الإجهاز على مجموعة من المناطق الخضراء وتحويلها إلى أماكن للبناء من طرف اللوبيات العقار التي همها الوحيد هي السعي وراء الربح على غرار مصلحة المدينة. الشيء الذي خلق نوع من الفوضى في المعمار والبناء العشوائي للمدينة .
السؤال المطروح فمن يتحمل المسؤولية التاريخية لهذه المجازر التي ارتكبت في حق هذه المدينة ؟ وفي حق أجيالها القادمة ؟
الجواب، فالمسؤولية تتحملها أولا المجالس المتعاقبة على بلدية الحسيمة والسلطات المعنية ، ثانيا المجتمع السياسي والنقابي والمدني…
وعلى ذكر المسؤولية التاريخية ، لا زال الصمت قائما في هذا الشأن من طرف أنصار البيئة…،رغم تعدد المبادرات لمشاريع إسمنتية اتجاه منطقة (غابة ميرادور) من بنايات مركبات ثقافية ، إدارات للمصالح الخارجية ، ملاعب رياضية ، مقرات للجمعيات ،أسواق ، فنادق ، بناء عشوائي ، و…و…و… وما يأسفنا في الجمعية هو المشروع الذي يقام على مساحة كبيرة من هذا الحزام الغابوي لفائدة قطاع النقل ، (أنظر الصور) زائد على هذا مشروع الذي صادقت عليه الوكالة الحضرية للحسيمة وهو إنشاء مركب اجتماعي رياضي بمنتزه ميرادور على مساحة هكتارين بكلفة اجمالية تقدر ب 45 مليون درهم . أين مشروع منتزه ميرادور السياحي الذي كان مبرمجا في مشاريع التنموية لمدينة الحسيمة لدى المجلس البلدي ؟
وفي إطار الأشغال الجارية الآن في مدينة الحسيمة ،نتمنى إعطائها صورة جديدة ، من خلال:
* تشخيص واقع التعمير ورسم آفاق التنمية البيئية الحضرية للمدينة
* تأهيل المجال الحضري بالبنيات التحتية ( جوا – بحرا – برا )
* تهيئة الحدائق والفضاءات العمومية وتحسين مستوى البيئة الحضرية و تأهيل الأسوار وإضاءتها .
* تأهيل ماتبقى من غابة ميرادور لتصبح منتزها سياحيا والكف عن تدمير هذه الغابة ،وحتى لا يتكرر ما جرى لهذه المدينة من سوء التدبير والتخطيط اعتبارا للمقولة المعروفة في ميدان التعمير ” الخطأ في المريض يموت المريض والخطأ في التعمير لا يموت أبدا “.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.