في إحدى فنادق الدار البيضاء، وبمناسبة الدورة 36 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، عقدت اللجنة المنظمة مائدة مستديرة في محور “المسرح والجنون” يوم الجمعة 5 يوليوز 2024، بإشراف علمي للأستاذة سميرة الركيبي نائبة السيد العميد في البحث العلمي، بحضور وازن لمبدعين وباحثين وأكاديميين وحضور نوعي من المتتبعين تواطأ الجمع لتشخيص الجنون بعقلانية، والبحث عن في ثنايا النصوص العالمية والعربية والمثون التي تمثل الثقافات المحلية والعالمية والتي تتناول العلاقة الجدلية بين الجنون والمسرح، والحدود بينهما أو بالأحرى محاولة القبض على الخيط الهارب أو الشعرة الفاصلة بينهما، سيما وهما يتحاوران ويتكاملان، وفي محطة هذا المهرجان يلتقيان ويتجادلان، من منطلق القراءة السيميائية للرقم 36، الذي له دلالة المعنى عند البيضاويين مستمدة من جناح بمستشفى ابن رشد يخص فئة تعان من خلل عقلي بأسباب اجتماعية ونفسية وغيرها، وبذلك أصبح ينعت بدلالة الرقم كل من يعان من حالة نفسية أو إشكال عقلي، بل أصبحت دلالة الرقم معروفة على المستوى الوطني وخارج التراب الوطني؛ لذا حينما وصل المهرجان إلى هذا العد استحضرت هذه الفئة وقيل لما لا يحتفى بها مسرحيا، سيما والإبداع والمسرح تحديدا قريبين من الجنون، بدون استعمال واو المعرية وفق إشارة مكرم الدورة 36 المبدع عبد الحق الزروالي الذي صرح على خشبة تكريمه، أن الواو الموجود بين المسرح والجنون مقحم كون المسرح جنون.
عقدت المائدة المستديرة عبر محورين، محور الصباح وكان تشخيصيا، عن المسرح والجنون كمدخل إلى التفكير، من خلال تجارب وإبداعات ونصوص عالمية وعربية وغيرها، كما تناول الفصام في الشخصية في المجتمع تأثيرا وتأثرا وأثرا. هذا الانفصام الذي له علاقة بالنظام الرأسمالي، الذي فرض إيقاعه على حياة الأفراد حيث كان الفصام وكأنه تمرد على هذا النظام، مما دفع المسرح إلى هجر تقاليده الغربية والتجديد في لغته ورؤاه، ليبرز تحول المسرح من كونه مجرد مرآة للحياة إلى كونه الحياة بذاتها. وبذلك لم يعد المسرح مجرد وسيلة ترفيه أو تعبير فني، بل صار ينبض بالتجارب الإنسانية، يروي قصص الناس ويرسم ملامح أرواحهم المعذبة. هذه الرؤية الجديدة للمسرح تعزز دوره في إلقاء الضوء على القضايا النفسية والاجتماعية لتبرز في العروض المسرحية وهي رحلة داخل الذات الإنسانية، وبذلك توقف المتحدثون عند دور المسرح في معالجة الجنون، مستعرضين كيف استخدم هذا الفن العريق كوسيلة علاجية منذ القرن التاسع عشر وتحدثوا عن المسرح كأداة تعبيرية تساعد في محاكاة التفاعلات الإنسانية، وتحرير المشاعر والأفكار المكبوتة كما هو دور الفنون عموما التي تساهم بقدرتها البوحية والاستنطاقية لفك القيود عن العواطف بل له القدرة أن يعيد تشكيل الفكر والسلوك، ويمنح النفس البشرية متنفسًا يعيد إليها توازنها المفقود، وأشار النقاش إلى أن مفهوم الجنون ليس ثابتًا، بل يتغير مع تقلبات الزمن وتبدلات المجتمعات منذ العصور الغابرة، حين كان التصور الديني هو السائد وكان الجنون يُعتبر حالة خاصة تستدعي تدخلاً إلهيًا. لكن مع تطور العلم والطب النفسي، تغيرت النظرة إلى الجنون ليصبح مفهوماً نفسياً يحتاج إلى الفهم والعلاج العلمي.
تناولت المداخلات العلاقة بين الجنون والتراجيديا. وكيف أن الجنون في التراجيديا ليس مرضًا بل رمزًا، يعبر عن أقصى درجات الوعي التراجيدي. الجنون، في هذا السياق، هو لغز يستدعي التفكيك والفهم العميق، وهو خطاب يحمل في طياته معاني خفية تحتاج إلى الاستكشاف.
خرجت الجلسة الأولى من المائدة المستديرة بتأكيد علمي على أهمية فهم العلاقة بين المسرح لكون المسرح ليس مجرد وسيلة للتعبير الفني، بل هو أيضًا نافذة على تجارب إنسانية عميقة ومعقدة؛ لذا يجب تعزيزها بالدراسات والأبحاث لتناول العلاقة من زوايا متعددة، لتوفير فهم شامل وأكثر عمقًا، لأن المسرح له قدرته على عكس الواقع وتجسيد الخيال وله دورا محوريا وأساسيا ليلعب دورًا جوهريًا في معالجة القضايا النفسية والاجتماعية. هذا الفن الراقي، بجنونه وتنوعه، يبقى وسيلة لا غنى عنها لفهم الإنسان وعالمه الداخلي المعقد وتعالقاته بالمحيط.
المحور الثاني، للمائدة المستديرة بعد الزوال، تم فيه الربط بين التشخيص لحالات الجنون والمسرح وربطه بالمنجز والخشبة، والنتيجة التي تم التوصل إليها أننا كلنا مجانين حتى شعار آخر بناء على ما استنتجه المتدخل الناقد والكاتب البحيرين، يوسف حمدان، ليمهد مداخلة الخبير والممارس الدكتور عبد الله زيوزيو الذي ترأس ذات تجربة جناح 36 بمستشفى ابن رشد، بالدار البيضاء، كما خاض تجربة مدير لمستشفى الأمراض العقلية ببرشيد، وهو دكتور في علم النفس، وتكامل معه في إطار تناول المسرح في علاقة بالعلاج النفسي، وقدم المخرج والممثل بوسلهام الضعيف، تجربته وسفره الإبداعي وصرح بناء على محاور المداخلات التي سبقته يتخيل لي من خلالكم أن المسرح مرستان كبير، استحضر لباحث خالد أمين الجنون على خشبة المسرح بين النص والممثل والرؤية.
خلصت كل مداخلات المائدة المستديرة إلى أن الجنون موجود منذ الأزل أي مند وجد الانسان وهناك مراحل أساسية مر منها وصولا إلى المرحلة التي تدخل فيها الطب والطبيب في الجنون، وتاريخ العلاقة يظهر لنا أنه في ثقافتنا العربية كانت لدينا مستشفيات (مرستنات) وكان اللجوء الى التشخيص واستعمال العقاقير في العلاج والمغرب نموذجا كانت لدينا مرستنات خاصة فاس وتطوان وسلا وكانت ميزانيتها تصرف من طرف الأوقاف آنذاك، لكن في أوروبا كانت عندهم المعازل، أي يبعدون الفئة المختلفة في معزل عن الناس، عندما نتكلم عن الجنون تغيب معطى أساسي وهو المعاناة، أما بالنسبة للقلق فالمبدع يعاني منه في ممارسته كما يعش الثوثر الطبيعي في تنزيل الأبعاد النفسية للشخصية وللإشارة فالثوتر الطبيعي لا علاقة له بالتوتر المرضي، وعليه وجب أن نحسم أن الجنون في المسرح تنزيل للمخيال ..فعندما نتحدت عن مبدعين فلا يخلو المبدع، فهناك من يرى المجنون متأمل متمرد حالم ونفس الأمر يرى المبدع مختلف وإذا رجعنا إلى الجنون على خشبة المسرح بمفهوم فالجنون له تجليات مختلفة وهو سلاح استراتيجي لمفهوم العقل و اللاعقل.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.