اعداد: الدكتور يوسف الشفوعي
بمنطوق دستور سنة 2011 فإن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتھا الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات ھويتھا الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتھا، العربية – إسلامية، وامازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدھا افريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الھوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيھا، وذلك في ظل تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، و التفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الانسانية جمعاء.
و بالرجوع للفصل 41 من دستور المملكة الذي جاء فيه ” الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الاعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضھا عليه . ويعتبر المجلس الجھة الوحيدة المؤھلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الاسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى ھذا الفصل، بواسطة ظهائر”.
تعتبر استراتيجية إصلاح الحقل الديني، التي وضعها الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين، كان من دوافعها الرئيسية الضرب بيد من حديد على يد كل من سولت له نفسه المساس بالأمن الروحي للمغاربة , و كانت اليقضة الدينية و اليقضة الأمنية وجهان لعملة واحدة هدفها سحب البساط من تحت الحركات المتشددة التي بدأت تتغول في أطراف المدن، إلى درجة أنها بدأت تخترق البنية الدينية العامة للمغاربة، مما اقتضى عدم ترك مجال التأطير الديني للحركات الأصولية المتطرفة ، وهو ما أدى إلى اطلاق ورش ملكي ينم على عبقرية الجالس على العرش و يحدث ثورة صامتة في اركان المملكة حفاظا على الامن الديني للمغاربة بجميع مشاربهم و روافدهم.
قبل احداث ماي 2003، كان الجميع يعتقد أننا في مأمن من لهيب التطرف، وأن المغرب يقف على مسافات بعيدة من مخاطر السلفية التي تهدد أمنه الروحي والعقدي؛ وكان ذلك مع بداية العهد الجديد بعد أقل من خمس سنوات على أول حفل ولاء للملك محمد السادس أميرا للمؤمنين (23 يوليوز 1999)، وعلى أول خطاب للعرش، وعلى بعد أقل من سنة واحدة على تعيين أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الاسلامية (السابع من نونبر 2002).
لقد أدرك جلالة الملك أن هذا التشوه يتطلب الإسراع بإطلاق استراتيجية إصلاح ديني تضرب التوجهات المتطرفة في العمق وبذكاء، وهذا ما حمله خطاب العرش (2003)، حيث أكد على «تمسك المغاربة على الدوام بقواعد المذهب المالكي المتسم بالمرونة في الاخذ بمقاصد الشريعة والانفتاح على الواقع وعملوا على إغنائه باجتهاداتهم». وقال «إننا لن نقبل هذه المذاهب المنافية للهوية المغربية المتميزة. وسنتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل على شعبنا بقوة ما تفتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة، مؤكدين بذلك حرصنا على صيانة اختيارنا لوحدة المذهب المالكي في احترام لمذاهب الغير لان لكل شعب خصوصياته واختياراته». وتابع: «نؤكد أن علاقة الدولة بالدين محسومة في بلادنا في ظل تنصيص الدستور على ان المملكة المغربية دولة إسلامية، وان الملك أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين وضمان الحريات بما فيها حرية ممارسة شعائر الاديان السماوية الاخرى. وباعتبار أمير المؤمنين مرجعية دينية وحيدة للأمة المغربية فلا مجال لوجود أحزاب أو جماعات تحتكر لنفسها التحدث باسم الإسلام أو الوصاية عليه، فالوظائف الدينية هي من اختصاص الامامة العظمى المنوطة بنا بمساعدة مجلس أعلى ومجالس إقليمية للعلماء نحن مقبلون على تأهيليها وتجديدها وتفعيل أساليب عملها».
لقد حمل ذلك الخطاب الملكي، آنذاك، الإطار العام لمشروع إصلاح الحقل الديني بالمغرب، الذي تمثل، أساسا، في هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتحسين دور المجالس العلمية، وتأطير عشرات الآلاف من المساجد الموجودة في المملكة، بهدف توحيد الخطاب الديني…
إن المتتبع للشأن الديني بالمغرب يدرك أن مسألة الإصلاح في ضوء السقف الحضاري العالمي الحالي تختلف عن الكيفية التي تم بها تناولها في السابق، إذ ترسخت اليوم الكثير من المفاهيم، كحقوق الإنسان، والديمقراطية، والحريات، والحوار والتسامح، كأهداف رئيسية لأي عملية إصلاح سواء كانت ثقافية عامة أو اجتماعية أو سياسية؛ وهي المفاهيم التي وضعها الملك في قلب أولوياته على مستوى تصوره لإعادة هيكلة الحقل الديني ودور مؤسسة إمارة المؤمنين باعتبارها المسؤولة عن حماية الدين من أي اعوجاج أو تشوه
لقد شكل الخطاب الملكي بالدار البيضاء أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الاقليمية (30 أبريل 2004)، خارطة طريق حقيقية لمشروع الإصلاح الديني الذي وضع خطوطه العريضة في خطاب العرش (2003). فالملك محمد السادس في هذا الخطاب راهن على «تمكين بلادنا من استراتيجية متناسقة، كفيلة بتأهيلها لرفع كل التحديات، في مجال الحقل الديني، بقيادة إمارة المؤمنين، باعتبارها موحدة للأمة ورائدة لتقدمها، بل أيضا بالإسهام العقلاني الهادف لتصحيح صورة الإسلام، مما لحقها من تشويه مغرض وحملات شرسة، بفعل تطرف عدد منا كنا نظن اننا بعيدين على هذا الفعل الارعن ، و الإرهاب ، الذي لا وطن ولا دين له».
إن تبصر امير المؤمنين و حكمته في تفعيل هذا الورش الإصلاحي تمثل أساسا في هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر إحداث مديرية المساجد ومديرية للتعليم العتيق (22 أبريل 2004)، ثم هيكلة المجلس العلمي الأعلى (22 أبريل 2004)، فإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء (22 أبريل 2004)، وكذا إعادة هيكلة رابطة علماء المغرب و تسميتها بالرابطة المحمدية لعلماء المغرب (30 أبريل 2004)، كما تم اطلاق إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم (16 أكتوبر 2004)، وبعدها بسنة تم إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم (2 نونبر 2005)، فضلا عن إعادة تنظيم مؤسسة دار الحديث الحسنية (24 غشت 2005) ثم تأسيس مركز تأهيل وتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات (2005/2006)، فضلا عن إحداث المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة (6 نونبر 2008)، وإطلاق خطة ميثاق العلماء (29 أبريل 2009)، ثم إحداث مؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف (2010)، وإحداث مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينين (2010 و كذلك تم في (24 يونيو 2015) “ احداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة و أخيرا و ليس أخرا أعطى م أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس ، يوم 09 ماي 2022 ، الانطلاقة الرسمية لمنصة محمد السادس للحديث الشريف.
فبعد أربع وعشرون سنة على تربع امير المؤمنين صاحب الجلالة على عرش اسلافه المنعمين بدأ من الواضح نجاح و تميز ورش الاصلاح الديني الذي أطلقه جلالته الذي ينطلق من المذهب المالكي لمواجهة الغلو والتشدد، ولإنهاء تلك التناقضات البنيوية التي تخترق هذا الحقل، عبر تطوير الخطاب الديني وبنياته بالشكل الذي يؤهل الساهرين على تكريس الأمن الروحي للمملكة، والعمل على تأطير الشأن الديني وتأهيله للحفاظ على اختياراته المذهبية والسياسية بعيدا عن تأثيرات الشرق وكل التصورات الصادرة من هنا و هناك. و مع تطور البنية البشرية العاملة في الحقل الديني و ما عرفها من تأهيل عميق جعلها تكون حاضرة بقوة مع ما احدثته الرقمنة و وسائط التواصل الحديثة من حضور القرب و مواكبة مستجدات الحياة اليومية لرعايا امير المؤمنين مما اظهر بجلاء تميز سياسة جلالته التي كان لها بالغ الأثر في حفظ امن المغاربة الروحي و الذود بهم عن كل ما يشوش عليهم في دينهم و عقيدتهم الصحيحة و بذلك أصبحت المملكة المغربية مصدرة لتلكم النجاحات الباهرة و المتفردة سواء من خلال امتداد المغرب الافريقي و تصدير تجربه لعدد من الدول الإفريقية او الارتباط الأوروبي بمغاربة العالم مما ادي الى الدول الغربية لطلب تجربة المغرب لمواكبة امن المواطنين الاوربيين.
اعداد:
يوسف الشفوعي
حاصل على الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط
حاصل على الاجازة في التاريخ والحضارة من جامعة ابن طفيا بالقنيطرة
عضو المعهد المغربي للدراسات الاستراتيجية وتدبير الازمات
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.