-الأمن الغذائي غَدَا واحدا من التحديات التي تكتسي طابعا جيوسياسيا، وارتفاع أسعار الغذاء هو اليوم من عناصرِ الضغط والتفاوض في العلاقات الدولية غير المتوازنة، بل وغير العادلة.
-أتساءَلَ كما قد يتساءَلُ الكثيرُ منكم : مَا الذِّي يَنْقُصُ إفريقيا لِتَكْفُلَ أَمْنَهَا الغذائي؟ أَوَ لاَ تملكُ القارةُ الإمكانياتِ الهائلةَ لِتَسُدَّ حاجياتها الغذائية، وحاجيات عدد من أصدقائها؟ أليستْ هي القارة التي تملك 60 % من الأراضي القابلة للزراعة في العالم؟.
-إذا كان أمراً واقِعاً أن عددًا من بلدانِ قارتِنا تعاني من التصحر والجفاف، فإن عدداً آخرَ منها يتوفرُ على مواردَ مائيةٍ هائلةٍ تحتاج إلى التعبئة والتثمين والاستغلال الأمثل.
-إذا كانت إفريقيا لا تفتقر إلى التقاليد والثقافة الزراعية، وإلى القوى العاملة، وإلى المهاراتِ والسَّواعد، فإنها في المقابل في حاجةٍ، في عدد من الحالات، إلى حكامةٍ جيدةٍ وبالأساس إلى التكنولوجيات الجديدة التي تُنتجها القوى الصناعية التي تقع عليها مسؤوليةٌ أخلاقيةٌ وسياسيةٌ في دعمِ إفريقيا على أساس شَراكاتٍ عادلة مُمَأسسة، وهي التي تستفيد في المقابل من الموارد الأولية الإفريقية الباهضة الثمن، المَنْجَمِيةِ بالتحديد.
-إذا كانت إفريقيا لا تَفْتَقِر إلى الطاقة، وإلى ظروف إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، فإنها بالأساس، تتوفر على أثمن رأسمال، ألا وهو الموارد البشريةُ والسواعدُ والعقولُ، عِلماً بأن الرأسمال الأساس في التنمية المستدامة، وفي مقدمتها التنمية الفلاحية، هو الرأسمال البشري وهو ما تُغَذِّيه ثقافاتٌ إفريقية جد متنوعة وغنية .
-السؤالُ العريض مطروحا : كيف الطريق إلى تحويل هذه الإمكانيات إلى ثروات؟
ما من شك أن الجواب على هذا السؤال، يكمن في ثقةِ إفريقيا، شعوبًا ونُخبًا ومؤسسات، في هذه الإمكانيات، وفي التصميم الجماعي على استثمارها من أجل مصالح إفريقيا، وتوجيه الإنفاق على مشاريع البناء والتطوير وإسعاد الناس، عوض الإنفاق على مراكمة الأسلحة الكاسدة وزرع الأوهام لدى الشعوب.
-نحن مطالبون بالترافع الدولي من أجل العدالة المناخية والغذائية لإفريقيا، وعن شراكات عادلة، وعن تحويل التكنولوجيا التي تُيَسِّرُ الإنتاج الزراعي، وعن عدم استغلال براءات الاختراع للضغط والابتزاز المالي والسياسي، وعن تحويل الرساميل لتمويل المشاريع الفلاحية الإفريقية الضخمة والاستراتيجية.
-في الداخل الإفريقي، نحن محتاجون إلى التخطيط العقلاني من أجل فلاحة عصرية مستدامة، وإلى شراكات بين القطاعين العام والخاص، وإلى فتح الأسواق الافريقية وتعزيز المبادلات البيئية. نحن محتاجون أيضا لتعزيز الاقتصاد الزراعي التضامني، وتمويل المشاريع الصغرى في الريف الإفريقي، مما سيمكن من توفير الغذاء، والشغل الكريم في نفس الآن.
-يوم أمس ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مراسيم تقديم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفاط، وتوقيع مذكرة التفاهم بين الحكومة ومجموعة OCP المتعلقة بهذا البرنامج، باستثمار يناهز 13مليار دولار خلال الأربع سنوات المقبلة، وذلك بهدف الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة الفلاحية والتحول إلى إنتاج نظيف أخضر. مما سيمكن المغرب والبلدان الشقيقة وخاصة في القارة الأفريقية من مواد التخصيب الفلاحي والأسمدة خلال الفترة المقبلة إلى حدود سنة 2040، وبما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي في افريقيا وتوفير المواد الغذائية بأقل التكاليف البيئية والمالية والبشرية.
– يشكل الشباب الإفريقي قوةً أساسية من أجل التنمية. وكما سبق لجلالة الملك أن أكد أمام القادة الأفارقة عام 2017، فإن “مستقبل إفريقيا يبقى رهينا بشبابها” ما يبرز “الضرورة الملحة لتوجيه هذا الرصيد الديموغرافي نحو إقلاع القارة”.
-تقع عليكم أنتم الشباب الإفريقي ونُخَبُه السياسية، مسؤوليةُ، وبين أيديكم، أمانةُ، النهضة الإفريقية، وقيام إفريقيا الجديدة، قارة المستقبل. ولَكُمْ في دروس التاريخ الإفريقي، ما يُحَفِّزُ على بلوغ هذا الهدف.
فبعد إنجازات رواد الاستقلالات الإفريقية : صاحِبا الجلالة المغفور لهما الملك محمد الخامس والحسن الثاني، والراحلون سيدار سنغور وأحمد سيكوتوري، وباتريس لومبا وكوامي نكروما، وأحمدو أحيدجو وهوفييت بوانيي وغيرهم، برز جيل من الزعماء الأفارقة الشباب يحمل مشعل الإصلاح في مطلع الألفية الثالثة.
-فمكافحة الجوع والفقر والتهميش واحتواء النزاعات، عمل سياسي بامتياز، أكثر منه إشكالا مناخيا، والجوع ليس قدرًا لا رادَّ له Ce n’est pas une fatalité، ولكنه منتوج منظومة علاقات، وتوزيع خيرات، واختلالات، وسياسات، ينبغي أن نصححها بإرادتنا، نحن الأفارقة، باحترام تاريخنا، والثقة في إمكانياتنا والتوجه إلى المستقبل متحدين بقرار إفريقي مستقل.
-وما من شك في أن لنا في ما ينجز شباب إفريقيا وكفاءاتها الرياضية في كأس العالم لكرة القدم خير دليل على قدرات الشباب الإفريقي لرفع التحديات.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.