من وحي ذكرى الشهيدين :عمر بنجلون وسعيدة المنبهي

voltus16 ديسمبر 2015آخر تحديث :
من وحي ذكرى الشهيدين :عمر بنجلون وسعيدة المنبهي

بقلم : أحمد رباص

في هذا الشهر الأخير من كل سنة شمسية لنا -معشر الاشتراكيين الديموقراطيين – موعد مع ذكرى رحيل مناضلين فذين من عيار عمر بنجلون وسعيدة المنبهي..لكن يبدو لي من خلال تجربة نشاطي في اطار الاتحاد الاشتراكي من 1988 الى 1996 أن بعض القادة المخضرمين – حتى لا أعمم – ليسوا في مستوى التضحيات الجسام التي أسداها مثل هؤلاء الشهداء الذين أقل ما يجب عمله هو وضوح المواقف السياسية والخروج من المنطقة الرمادية بتسمية الأبيض أبيض والأسود أسود اذا أردنا الوفاء لنهجهم والاخلاص لروحهم..عكس هذه الشفافية المطلوبة المتجانسة مع مبادئ الحزب ، شاهدنا قادة يلعبون فوق الحبال على الصعيد الاعلامي والتنظيمي والساسي بدعوى الواقعية حينا والبراغماتية حينا آخر …للتوضيح أكثر، لا بد من أن تعود بنا الذاكرة الى الفترة التي تسلم فيها اليازغي مقاليد الكتابة العامة للحزب بعد غضبة أليوسفي ما قبل الأخيرة. آنذاك، كان اليازغي هو المسؤول الوحيد عن لساني حال الحزب؛ أقصد جريدتي ” الاتحاد الاشتراكي” و”Libération”. لا زلت أذكر كيف أني كنت عائدا من مدرسة قروية كنت أعمل بها مدرسا وتقع في ضفة بولعوان السطاتية ومتجها الى مقر سكني بالمحمدية. قبل الوصول الى عاصمة الشاوية مررت على السوق الأسبوعي لأولاد سعيد حيث اقتنيت جريدتي المفضلة آنذاك ( = الاتحاد الاشتراكي ) لآستأنس بها في ما تبقى من مشواري. بالطبع، كانت المسافة الزمكانية كافية لأن آتي على كل ما كتب في الجريدة في عدد يومه. الا أن ما أثار حفيظتي هو تعليق على هامش صورة يظهر فيها حمار محمل بقربتين سوداويين من المطاط جاء في التعليق أن مشرع أولاد بنعبو يشكو من العطش. أدركت للتو أن سبب نزول هذه الصورة والتعليق المرفق بها هو توجيه رسالة الى القراء ضدا على الخصوم في المنطقة حتى ولو تطلب الأمر السقوط في التناقض علما بأن الدائرة التي تنتمي اليها المدرسة التي كنت أعمل بها كان يمثلها في البرلمان عبد الهادي خيرات ومع ذلك نجد سكان دواري العروسيين والطواهرة يجلبون الماء الحلو من وادي أم الربيع بنفس الطريقة الماثلة في الصورة المنشورة في الجريدة والمعلق عليها. عند وصولي االى المحمدية، اخبرتأن اليازغي سوف يؤطرا نشاطا حزبيا بمقر فرع الحزب بدرب مراكش. التحقت بالجمع ووجدت المقر غاصا عن آخره بالحضور وهم يستمعون الى حديث اليازغي عن الشهيد المهدي بنبركة. تابعت محاضرة المتحدث وانا واقف عند عتبة القاعة رفقة مناضلين آخرين. عندما انتهى اليازغي فتح باب النقاش وأعدت لائحة أولية بأسماء الراغبين في التدخل. بهذه المناسبة، أعطيت لي الكلمة لأعبر عن المفارقة التي صادفتها في الجريدة وكيف كان المنطق يستدعي أحد أمرين: اما فضح الخصوم لتقصيرهم في توفير الماء الصالح للشرب للمواطنين مع الالتزام بالنقد الذاتي والاعتراف بنفس القصور الحاصل في المناطق الممثلة من قبل الحزب واما السكوت عن زلات وأخطاء الخصوم انسجاما مع رغبتنا “المرضية” في عدم فضح قصورنا الذاتي في مواطن محددة. كان لتدخلي وقع كبير على اليازغي ومع ذلك لجأ الى آلية دفاعية عزيزة على المتعجرفين وقد تمثلت في اللامبالاة بتدخلي “المشاغب” رغم معقوليته ومفعوله الواضح من خلال ملامح وجه الرجل. لا يتطلب اكتشاف علاقة هذه الالية بالشفافية ذكاء خارقا؛ ذلك أن اللاجئ اليها يجعل من الشخص غير المرغوب فيه “شفافا” أي غير منظور أو على الأقل غير مهم مثل الواجهة الزجاجية التي تعرض فيها نماذج من السلع الفاخرة، اذ أن الزبون عادة ما لا يبالي بالصفيحة الزجاجية المثبتة على الواجهة وانما يشد نظره ما يقع خلفها من سلع. لو بقي عمر بنجلون حيا حتى 1993 لعبر عن استيائه من الأساليب الدنيئة من محسوبية وزبونية وعرابية حتى (ليس نسبة الى عرابي المصري صاحب الثورة المرتبطة باسمه وانما نسبة الى عراب (Parain) ومقابلها بالفرنسية Parainage…وغيرها من الظواهر المشينة التي تربى المناضلون النزهاء والشرفاء على محاربتها انسجاما مع خطاب الحزب. الا أن مكر التاريخ تمثل في كون هذه الأساليب هي التي صنعت “قشدة” الحزب على سائر الصعد بينما كان مآل المناضلين الذين يعملون في صمت ثم يذهبون الى حال سبيلهم التهميش والاقصاء. لأجسد ما أقول بقدر كاف من الوضوح دعوني أعود الى جبة الذاكرة مرة أخرى لآحكي لكم ما وقع لي مع الجريدة التي كنت مراسلا ومتعاونا معها لمدة ثمان سنوات ( من 1988 الى 1996). في أحد الأيام من صيف العام المشار اليه أعلاه، التحقت بالجريدة بزنقة الأمير عبد القادر الجزائري ومعي مادة صالحة للنشر. عندما بلغت باب البناية بادلت البواب التحية المعهودة وأردت صعود سلم العمارة قصد اللحاق بأعضاء هيئة التحرير الذين صرت أليفا عندهم لكثرة تواتر مقالاتي وزياراتي، الا أن البواب منعني بلباقة من الدخول بناء على تعليمات تلقاها من الادارة بمنع غير الصحافيين من الدخول. بطبيعة الحال، فطنت الى أن هذا القرار ذو علاقة بالانتهاء من أعمال توسعة المقر وتجهيزة بالتجهيزات اللازمة مع تزيين جدرانه بالمرمر و”الفيانص”. في نفس اللحظة، أدركت بتلقائية كبف أن الجريذة المؤسسة صارت مثل امرأة مغربية غيرت مواقفها من الناس بسبب تحسن وضعه. فنحن المغاربة عندما نشعر بأن شخصا ما غير موقفه تجاهنا نقول له: مالك؟ أشنو تزاد عليك؟ وبينما أنا أعبر للبواب بهدوء عن احتجاجي على هذا القرار الجائر وكيف أن الادارة كان يفترض فيها تزويده بلائحة للمراسلين والمتعاونين القارين الذين يجب استثناؤهم من القرار بمنع الدخول اذا بي أرى عوزري مقبلا من عل نازلا السلم على هيئة طاووسية تشي بخيلاء وكبرياء…


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading