الدار البيضاء إنها العاصمة الاقتصادية الكبرى للمملكة والقلب النابض للاقتصادي الوطني حيث تضم أكبر الشركات الوطنية والعالمية أما ساكنتها فتتعدى سكانة دولة صغيرة بأقصى المعمورة ، مما يجعلها مؤهلة لجلب الاستثمارات العملاقة حاضرا ومستقبلا، ومما حتم على المسؤولين إحداث بورصة بالدار البيضاء تواكب الأسواق المالية العالمية وتساهم في تطوير وحركية وسرعة المعاملات التجارية والنقدية لما فيه مصلحة الاقتصاد الوطني و حركيته وتطوره.
فالدار البيضاء كبيرة بشوارعها ببناياتها بأحيائها بساكنتها…فكل شيء فيها كبير وضخم ، وأهلها لا يغمض لهم جفن ليلا ونهارا ، لأن مدينتهم تشبه سفينة ضخمة كبيرة وسط أعتى أمواج المحيطات وهي تقطع الأميال من الكيلومترات وسط هذه الأمواج العاتية والمخيفة ولا تتوقف مسيرتها و سيرها نحو المستقبل منذ قرون خلت …
فالدار البيضاء شعارها الحركة والدينامية والسرعة و الجري ، لأنها مدينة عالمية ولها سمعتها وقوتها وشهرتها مع باقي المدن الأخرى المشهورة، ولا يمكن لها أن تنقص من سرعتها القصوى و جريها وسباقها الدائم مع الآخرين خوفا على نفسها ومستقبلها ما دام العالم حولها لا يعرف إلا السرعة القصوى والمنافسة الشرسة في حروبه الاقتصادية شرقا وغربا ولا يعترف بأصحاب السرعة المتوسطة والضعيفة.
وفي كل زيارة تقوم بها إلى هذه الحاضرة الشاسعة لابد أن تكون أعصابك باردة و في الثلاجة وعليك أن لا تكون من أصحاب الضغط المرتفع لأنك ستعرض صحتك للخطر القاتل …فهنا بالدار البيضاء كل شيء مختلف تماما عما عهده المغربي بباقي المدن الكبرى بوطنه…ها هنا الناس جبلوا على الجري والسرعة ولا يلتفتون خلفهم أبدا ، لأن الزمن يطاردهم حتى وهم في الفراش نائمون… فالبيضاويون قد نشبههم بخلايا من النحل الشغال ،أو بالنمل وكلهم في صراع دائم مع المجهول لتستمر الحياة طبيعية في مدينتهم التي تسكنها أجناس كثيرة من مختلف العالم ومن مختلف المدن المغربية ، والكل جاء ها هنا للبحث عن شيء ما قد لا يجده إلا في هذه الغابة الشاسعة والممتدة الأطراف …فحركة السير عادة ما تصادفها خفيفة ، وهذا استثناء طبعا ، لأنك إذا ما مررت من شوارعها الكبرى ستنتظر لساعات طوال إذا صادفت مناسبة دينية أو وطنية أو عطلة ، فتيقن بأنك ستتنقل بسرعة السلحفاة وسط أمواج من الحافلات والسيارات والدراجات، ولا بد أن تكون لك الخبرة المطلوبة في السياقة، لأن المغربي لما يسأل صاحبه (واش كتسوك مزيان ؟ واش كتسوك فكازا؟ ) إذن كل مغربي لا يسوق سيارته بالدار البيضاء ففي وجهة نظر المغاربة لم يحترف السياقة بعد، وما زال في حاجة للممارسة والتدريب لتكون له الشجاعة ليسوق بالدار البيضاء حتى يعطيه الأصدقاء والأهل والأحباب جواز السياقة الحقيقي ، لأن السياقة بالدار البيضاء تتطلب منك أشياء لم تعهدها في مدينتك من ثقة في النفس والقدرة على التحكم في أعصابك وردة الفعل السريعة والسرعة في اتخاذ القرار، لأنك سوف تسوق مع ناس ليس لهم الوقت حتي تعكر لهم أجواءهم وهم وسط زحام مخيف ،سواء بتوقف مفاجئ و غير مرغوب فيه أو تغيير لاتجاه ( خايب) أو غيره…
فهاهنا السائقون صامتون كالأصنام لا يتكلمون ، بعضهم وجوههم متعبة نحيفة صفراء من كثرة الإرهاق والتعب والخوف من المستقبل لأنه لا يعرف أحوال المدينة بمتناقضاتها إلا من يعيش فيها منذ زمان …إنها علمتهم أشياء كثيرة كي يعيشون ويتعايشون مع ظروفها وأحوالها سواء في مساكنهم الخاصة أو مع أهلهم وذويهم أو داخل مؤسساتها أو في حافلاتها أو حتي بأماكن عامة يقصدونها للراحة والاستحمام…
فالدار البيضاء شعارها الدائم هو (جري عليا لجري عليك ،ولفرط ايكرط).أما زوارها فيشعرون عادة بالانقباض والضيق لأنهم لم يألفوا أشياء وأشياء كثيرة لا توجد إلا بها فأمست بخصوصياتها التي لا تنافسها فيها مدن أخرى حتى في لعبة شعبية ككرة القدم وما يأتي منها من أتعاب للجميع ساكنة وحافلات وغيرها بسبب الانتماء هذا بلونه الأخضر ( رجا وى ) والآخر بلونه الأحمر(ودادي) والصراع على العشب لما ينتهي يبدأ في الفضاء العام وهذا سلوك غير حضاري يجب تصحيحه مستقبلا…
كتابة بقلم : عبد الرحيم هريوى
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.