لم يعد لسكان دوار ابويه، عمالة عين السبع، بالدار البيضاء، غير ذكرى مثقلة بالجراحات، دقت ساعة الرحيل الى المجهول، كما عبر اغلب السكان اليوم الخميس 19 يونيو، وغدا يوم 20 يونيو تبدا الطراكس عملية هدم البراريك التي قضوا فيها سنوات متعددة، دون ان تتغير اوضاعهم نحو الاحسن…
حضرنا ساعات الاستعدادات للاجلاء عن هذه البراريك، كان الكل مذهولا، متجهما، يفكر فيما ينتظره، حتى عدادات الكهرباء اجليت، وحل الظلام الدامس مبكرا، الكل منشغل والكل يجري يسابق الزمن…
لغة الحيرة والتساؤل والدهشة والقلق كانت هي سيدة الموقف وهي ارتسامات عبر عنها الكثيرون هناك، لا احد يدري متى تنتهي المأساة، او متى ينجلي السواد وتتغير الاوضاع …انه حلم بعيد المنال ولا احد يدرك اين يسكن، وهل هو مرغوب فيه لكراء منزل او غرفة، الى حين انتهاء الشقق المعدة لاسكانهم سكنا لائقا…الكل كان كما عاينا اوضاعهم متوجسين منشغلين بمصيره، منهم من ادرف الدموع على ستين سنة مضت، من عمره، وهو يسكن هناك بدوار ابويه، نساء ورجال كبروا بهذا الحي، وكبر معهم الابناء والاحفاد، ولا شيء تغير مع مرور الزمن، كما هو حال امي مباركة، ومي نعيمة، ونساء اخريات صادفناهن هناك، وظل التذكر وقودا حيا لكل الذكريات الجميلة والحزينة معا…
الاستفادة من سكن لائق، ظلت مركز انشغالات البعض، بينما ظل البعض الاخر، يكتوي بنار الانين، ولظى الحاجة، فاغلب السكان فقراء معدمون، نساء ورجال، يستقبلونك بلغة التشكي من حال بئيس، فمن يطرد عنهم شبح الهموم، التي تلازمهم، وكيف يستقبلون غدا مبهما مليئا بالاسى؟ وكيف يدبرون حالهم بعد هدم البراكة؟ ومن اين “يدبرون مبلغ 10 ملايين سنتيم ثمن الشقة، و2 مليون سنتيم ثمن النوتير و…”
ومن اين ومن اين؟…ظلت هذه السمات المميزة لاغلب النساء اللواتي، صادفناهن هناك، في الزمن العكسي قبل الهدم بليلة واحدة، القصدير يتناثر هنا وهناك، قصد بيعه بدل ان تلتهمه معاول الطراكس خلال صباح اليوم الموالي، الحسرة بادية على الوجوه، وسيناريوهات كثيرة يغطيها انتظار المر والامر، فليس الكل في كفة واحدة وفي عمر واحد وحتى في حظ واحد، لم يكن أحد يتكهن اويدري اي شيء يحمله المستقبل…الرحيل وابعاد اغلى الاشياء على النفوس قبل ان تحل الطراكس، التي لا تحسن غير لغة الهدم”تريب ليك ويقولوا ليك سير فحالك منك لراسك وللمجهول ما سوقناش فيك”، هذا هو القاسم المشترك، والتعبيرالمميز لاغلبية السكان…
هكذا كانت صور اغلب سكان هذا الحي الصفيحي بعين السبع، هذل الحي، الذي تجاوزه الزمن، وجرت استفادة اغلب سكان الدواوير المجاورة له منذ زمن بعيد، من البقع بدلا عن الشقق، بينما ظل الحي، كما عبر الكل، بائسا مهمشا مثل سكانه، يكتوون بشظف العيش، ويتذكرون، زمنا مضى، عبروا عنه بزمن العز… فكيف بهم الان وقد اصبحوا منبوذين، لا يقبل احد ان يكتري لهم اي شقة رغم محاولات متكررة، كان اغلبهن متجهما وردد الينا قائلا:”الكل يرفض ان يكتري لنا فقط لاننا من ساكنة دوار ابويه، فهل نحن منبوذون الى هذا الحد؟ فماذا نفعل؟ هل نشرد مع ابنائنا، فعلى الاقل كانت براريكنا، تأوينا وتقينا حر الشتاء، وصهد الصيف لا ندري ماذا نفعل؟” كانت هذه احدى الصرخات المدوية، والتي تلتها اخرى تقول”كان حريا بالسلطات الا تهدم البراريك حتى تكون الشقق جاهزة، فاي مصير ينتظرنا؟؟؟” …كانت كلها تساؤلات حارقة، لكن لا احد يجيب ولا حديث لمن تنادي، فكيف تهدر كرامة الانسان بهذه الطريقة؟…
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.