أطلقت حركة “صحراويون من أجل السلام”، وهي مكون سياسي منشق عن جبهة البوليساريو، نداءً صريحاً للنخبة الصحراوية من أجل إطلاق حوار داخلي شامل يهدف إلى الخروج من الأزمة المستمرة التي تعيشها مخيمات تندوف وقضية الصحراء عموماً. هذا النداء، في توقيته ومضامينه، يُمثل لحظة فارقة تُثبت أن الخيار الانفصالي بات يترنح أمام صلابة الطرح المغربي وواقعيته.
الحركة لم تكتف بانتقاد قيادة البوليساريو على قرارها الأحادي بإعادة إطلاق الحرب في نونبر 2020، بل أقرت، صراحة، بفشل الرهان على الخيار العسكري، مؤكدة أن المغرب، بفضل تقدمه التكنولوجي وخاصة عبر الطائرات المسيّرة، قد غيّر موازين القوى على الأرض، وأجهض عملياً الوضع القائم منذ وقف إطلاق النار سنة 1991. وعلى المستوى السياسي، شددت الرسالة على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 باتت الحل الأكثر واقعية ومصداقية، كما عبّر عن ذلك مراراً المنتظم الدولي.
ويأتي هذا التحول في وقت يتزايد فيه الدعم العالمي للحكم الذاتي المغربي، حيث عبرت قوى دولية كبرى عن تبنيها الصريح أو الضمني لهذه المبادرة. فالولايات المتحدة الأميركية كانت السباقة للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020، تبعتها إسبانيا التي اعتبرت الحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” للحل، وكذلك فرنسا وبريطانيا اللتان أبدتا دعماً متنامياً لهذا التوجه، مما يؤكد تبلور إجماع دولي حول واقعية الطرح المغربي في مقابل انكماش مشروع الانفصال الذي تتبناه البوليساريو بدعم مكشوف من النظام الجزائري.
ولا يمكن فصل هذا التحول العميق عن الأسس المتينة التي يرتكز عليها مشروع الحكم الذاتي، فهو يجمع بين وحدة الدولة المغربية وحقوق السكان المحليين في تدبير شؤونهم بأنفسهم، ضمن نظام متقدم للحكم الجهوي الموسع. وهي الصيغة التي انسجمت مع تجارب دولية مشابهة وناجحة (مثل النموذج الكاتالوني أو الإسكتلندي).
في هذا السياق، يبرز المغرب، بقيادته الرشيدة، كفاعل مسؤول يحظى بثقة المجتمع الدولي، بينما تتزايد عزلة البوليساريو، وتتراجع قدرتها على التأثير داخل المخيمات أو على الساحة الدولية، وهو ما أكدته الحركة المنشقة التي دعت صراحة إلى تجاوز خطاب الحرب والانفصال، والدخول في مسار تفاوضي جديد يُبنى على الواقعية السياسية، ولا يُهدر المزيد من أعمار الشباب الصحراوي وأحلامه.
وفي المحصلة، فإن رسالة “صحراويون من أجل السلام” تعكس وعياً متزايداً داخل الجسم الصحراوي بضرورة القطيعة مع خطاب الوهم والانغلاق، وفتح صفحة جديدة قوامها التعايش تحت السيادة المغربية، وضمان الكرامة والعدالة والتنمية المستدامة، وهو ما تتيحه مبادرة الحكم الذاتي، التي باتت اليوم تحظى بزخم غير مسبوق على الصعيد الدولي. إنها لحظة الحقيقة التي يجب أن يُصغي إليها الجميع، قبل أن يغلق التاريخ صفحته أمام من يصرّون على الانعزال والتعنت.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.