لحظة تأمل بمقهى الموعد بخريبكة…

voltus6 أبريل 2016آخر تحديث :
لحظة تأمل بمقهى الموعد بخريبكة…

قصة قصيرة///
جلست اليوم بمقهى الموعد،لأستريح بعض الشيء من كثرة المشاغل اليومية المعتادةوالتي لاتخلو من تحمل للمسؤوليةالأسرية…وكأني أراها عبارةعن استراحة محارب، لأنه سرعان ما يرن الهاتف،ويحمل معه طلبا جديدا … وفجأة شدني الشوق والحنين إلى ذكريات جميلة مرت ها هنا، بهذا المكان بالذات، فأردت أن أعيدها، لتسترجعها ذاكرتي من جديد…ويحييها قلمي عبر سطور تتضمن أحداثا من ذلك الزمان الجميل الذي مات وانتهى…وكذلك كان بدأت في الشروع في كتابة كل ما حضر في مخيلتي حتى اقتربت من النهاية…لكنه للأسف الشديد ضاع مني كل ما كتبته في رمشة عين، مما جعلني أبحث هنا وهناك ، لكنني لم أجدأثرا يذكر لما خطته يدي فيما سبق… وبعدها بدأاليأس يتسرب إلى دواخلي، فتساءلت مع نفسي ،هل يمكن لي أن أعيد كتابة ما كتبته من قبل؟ وهل ما كتب في تلك اللحظةالحميمية،التي تشوقت فيها للكتابة بحب ،هل تعودهذه اللحظة ثانية؟ وهل و هل ؟… لعلهاأسئلة كثيرةومتشعبة بدأت تصب على تفكيري صباغزيرا …وبعدها أعطيت لنفسي حرية الاختيار واتخاذ القرار المناسب ،رغم أنني شعرت بحزن شديد لأنني ضيعت شيء حلوا لذيذا ،ليس بأكل ولاشرب بل هي سطور معبرة، وتؤرخ للحظات جميلة بمقهى الموعد التي وجدت منذ زمان بشارع المقاومةالذي يتقاسم بشارع بني عمير قرب إعداية مولاي رشيد بمدينتنا خريبكة، والتي نحبها بإخلاص ووفاء قل نظيره …وفي الأخير حسمت في موقفي بإعادة كتابة ما ضاع مني في غفلة مني دون أن أدري كيف ضاع؟ ومتى؟ وما هو السبب؟ إنها أسئلة ظلت عالقة ،لم أجد لها أجوبة شافية…
******
ففي هذا المساءالممطر من شهر أبريل، وجدت نفسي بالقرب بمقهى الموعد ،فلم أتمالك نفسي بعد صباح متعب وشاق،حتى أدلفت بجسدي المتثاقل إلى داخل المقهى ولم تتوقف خطواتي حتي (لكوتوار) ،وبالصدفة لمحت عيني في أول نظرة صديق قديم، من أصدقاء السبعينيات، وهو من يتكلف بتهييء الطلبات عبر الآلة الخاصة بتحضير القهوة على اختلاف أصنافها وأنواعها(بريصا)…سلمت عليه بحب، وبعدها ذكرته باسمه،فدار بيننا حوار بسيط، لكنه لم يعرفني في أول وهلة…لكن ذاكرتي ما زالت قوية ، و تحتفظ به حتى الآن، لأن له ارتباط بمحطات تاريخية عايشناها جميعا و نحن شباب بإعدادية مولاي رشيد ،صحبة قدماء التلاميذ والتلميذات في تلك الحقبة من تاريخ المغرب المعاصر…نعم إنني أعرفه حق المعرفة..تنهد صاحبنا بعمق شديد وعض على شفتيه…ربما نقلت ذاكرته إلى عمر الزهور ، وقد أكون قد ذكرته بوجوه جميلة مرت في زماننا،نعم تذكرت فلان وفلان وفلانة وفلان…لم يسبق أن التقينا منذ ما يربو عن عشرين سنة مرت كالبرق …تصافحنا…طلبت منه قهوتي المعتادة، والتي أحبها في كأس زجاجي(نص نص)خفيفة طبعا لترد لي مزاجي…انزويت في ركن بالقرب من الواجهة الزجاجية للمقهى، والتي تطل على شارع المقاومة،وهو من الشوارع الرئيسية بمدينتنا، وأنا أحتسي قهوتي كعادتي لوحدي،لأنني أجدها لحظة حميمية، و خلالها أبتعد ما يمكن عن دخان السجائر القاتل الذي يلوث أوكسيجيننا النقي داخل فضاء القهوة…لكنني مهما فعلت ،ومهما اتخذت من احتياطات خوفا من عواقب التدخين السلبي ،فلسوء حظي فهناك من يجلس بالقرب مني، وسرعان ما يشرع في نفث سمومه القاتلة…وقد أشعر بالضيق ، وليس لي من حيلة أو مخرج حتى إذا ما أردت تغيير مكان جلوسي ،كي أبلغه قولة فرنسية(مترجمة)،معناها: (فإذا كنت أنت تدخن برغبة شخصية ،فأنا أتنفس للضرورة)…فشدني تفكيري إلى زمن بعيد جدا، وقلت في دواخلي، مسكين هذا الإنسان هل هو في حقيقة أم في حلم؟ فبالأمس القريب كان شابا يافعا،وكانت متمنياته كثيرة ومتشعبة ،فهو يريد أن يحصل على شهادة البكالوريا لأنها كانت تعتبر مفتاح سمسم في وقتها…وبعدها يبدأ في التفكير والتمني…فهويتمنى وظيفة محترمة…ويرغب في إنقاذ والديه أوإخوته من الفقروعيشة الذل…ويرغب في الزواج من فتاة كانت لاتفارق خياله ،ولعله يراها وردة جميلة بألوان جذابة ،ويمني نفسه بأن تكون من نصيبه ،فيقطفها قبل غيره…ويرغب في سيارة من ماوجد من أصناف على قلتها في زمنه.ويرغب في أشياء كثيرة، قد يملأ صفحة كاملة إن هو وضعها كمتمنيات في حياته المستقبلية…مسكين هذا الإنسان له ديوان من المطالب لكن لايتحقق منها إلا اللمم ،وسرعان ما يسرق منه الزمن عمره الجميل …فعمره يجري مجرى السحاب في السماء …ولا تتاح له الفرصة لكي يتعرف هل هو ما زال في ربيع عمره ،أم هو في خريفه؟؟؟…
لعلني هكذا تكلمت مع نفسي في دواخلي ،وأنا أحاورها بصدق ،عن كل تلك الأيام الخوالي من عمرنا القصير فوق هذه البسيطة الشاسعة، فقد قاسيناها ببرودة شتائها وبحرارة صيفها …بكل أحوالها المتقلبة ،بفقرها وضيق ذات اليد…بأحزانها وآلآمها الدفينة…ولم يعرف أحد ما يدور بيني وبين نفسي إلا قلمي الوفي الذي ظل يرتبط بي في كل أوقاتي ولايفارقني ولو لحظة واحدة…إنه يهديء من أحزاني عن العمر الذي ضاع بسرعة فائقة جدا .وها نحن في خريفه ،وقد بدأ العد العكسي لما تبقى منه …تنهدت من أعماقي بكل ما أوتيت من طاقة، وأرجعت بذاكرتي مرة أخرى إلى الزمن الضائع ،لكن قلمي شاركني كل أحزاني وأتاح لي الفرصة مرة أخرى كي أخط به ما أشاء من لحظات جميلة أو حزينة عشتها…ولعلي الآن،قد تذكرتها في هذه اللحظة بالذات بمقهى الموعد…فرضيت بالفكرة ورأيتها مجدية، وبعدها أطلقت لقلمي العنان كي يكتب بكل حرية ولا يهاب على نفاذ حبره وليتمم معي الرحلة إلى آخر محطتها…قلت لقلمي اكتب أن هذا الإنسان مسكين لأنه ينسى أو يتناسى ،بأنه مسافر وغير مقيم .ولا يفاجأ إلا بعدما يفعل فيه الزمان فعلته …ينظر إلى وجهه في المرآة وقد تجعد جلد عنقه، واشتعل رأسه شيبا، وتساقطت أسنانه وأضراسه …إنها كلها علامات لهذا الإنسان على أن وقت السفر يقترب منه شيء فشيء..فالأولاد تزوجوا وأنجبوا الأحفاد …والناس غير الناس الذين ألفهم منذ زمانه…وو… وبهذا نكون قد انتقلنا من جيل إلى جيل…فتلكم إذن هي سيرورة الحياة وطبيعتها، والتي لن تتوقف إلا بإذن ربها ،الذي خلقها في أول مرة…فالآن يشعرك الآخر أينما حللت وارتحلت بشوارع مدينتك ،وهو ينادي عليك باسم عمي أو عمي الحاج …فلاتحزن يا أيها الإنسان … فلست أنت الأول،ولن تكون أنت الأخير فوق هذه البسيطة ،فإنها أقوام وأقوام قد مرت فوقها وابتلعها التراب ،فهي الآن رميم …فشكرا لك أيها الصديق الوفي عن كل كلمة كتبتها تريد بها حسن نيتك وإخلاصك لي طول تواجدك بالقرب مني في مثل هذه اللحظات من ما تبقى من العمر…
إنها مقهى الموعد،التي كنت تحبها من بين المقاهي القليلة في زمانك ،كمقهى طارزا رحمة الله عليه والعامريات والساقية الحمراء،هذه الأخيرة كان يحبهاأيضا الممثل محمد البسطاوي رحمة الله عليه في زماننا،فعادة ما كنت تجده يقرأ كتابا وقهوته أمامه ويطول به الجلوس…وكذلك كان لمقهى الموعد، فلها تاريخ جميل بالمدينة فقد كان يرتادها الأدباء والطلاب والصحافيون والأساتذة… لهدوئها وموقعها المتميز…والآن تناسها الجميع في زمن العولمة في كل شيء…فمدينتنا أصيبت بمرض المقاهي،وصدق عليها المثل المغربي الذي يقول: (بين قهوى وقهوى قهيوة )،إنها المشاريع المغربية بكل مدننا ،والتي تتكاثر كالفطر، والتي نسعى من ورائها إلى الربح السريع من جيوب فئة عريضة من الشعب ،التي تتخذ المقهى بيتا ثان ،إما للبحث عن سعادة مفقودة أو الهروب إلى الأمام وعدم تحمل المسؤولية الأسرية و متطلباتهاالدائمة… فهنا بهذه المقهى (الأثرية/الثقافية) كنا شبابا،وعادة ما كنا نحمل معنا جريدتنا المفضلة في زمننا، (الاتحاد الاشتراكي) لخطها التحريري في ذلك الوقت ،والذي كان ينشطه مجموعة من الكتاب والإعلاميين والمثقفين والأدباء في مستوى اللحظة.وكانت تساهم في تأطير الأجيال سياسيا وتساهم في تثقيفهم ثقافة حداثية من أجل تطوير المجتمع وتقدمه…نعم ها هنا بهذه المقهى المنسية، كنا نجلس لساعات طوال نحلل أفكار بعضنا البعض ،ونفكر في الحلول للمعضلات الاجتماعية للمجتمع المغربي،ونقارع بالحجة والدليل،لكثرة الكتب التي كنا نتنافس في قراءتها وتحليلها …وها هنا كنا نفعل كذا وكذا …وها هنا كان يجلس معنا فلان وفلان …إنها لحظات جميلة عشناها بمقهى الموعد التي تعتبر ذاكرتنا الجماعية لجيل الستينات والسبعينات…
شكرا لك قلمي العزيز على صبرك وتحملك ،ولن أنسى لك جميلك ما حييت،لأنك تحملت حمقاتي وأنهيت معي رحلة الكتابة إلى آخر محطتها…في مقهى الموعد بخريبكة يوم الأربعاء05/04/ 2016

كتابةبقلم:عبد الرحيم هريوى


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading