قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم”من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده؛ فإن لم يستطيع؛ فبلسانه؛ فإن لم يستطيع فبقلبه؛ وذالك أضعف الإيمان”رواه مسلم.
إنطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف أمسكت قلمي كي أكتب من جديد بعد صيام قصير عن الكتابة؛لظروف شخصية؛ لكن هذه المرة المداد لا يود أن يطلق العنان لنفسه؛ كي يخطو ويرسم كلماته الإبداعية كما عود متتابعيه؛ فقد إشمئز وأصابه الإمساك؛ من فضاعة المشهد المقرف؛ وخصمته الكلمات والحروف المناسبة؛ للتعبير عن ما شهدته عيناي أمس خلال الندوة التي أطرها وزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة”مصطفى الخلفي”؛ حول مستجدات قانون الصحافة والنشر.
فبعد أن وضعت الندوة أوزارها؛ وراح كل إلى سبيله؛ بقيت شرذمة من أشباه الصحافيين؛ وبعض الطفيليات اللاصقة بالجسم الإعلامي؛كإلتصاق البراغيث بفروة الكلاب؛ أمام القاعة التي شهدت أطوار الندوة؛متربصين باللوحة الإشهارية للندوة؛ بغية سرقتها؛ كضباع تنتظر أن يفرغ ملك الغابة من فريسته؛كي تلتقط ما تبقى منها من العظام؛ متناسين وجود كاميرات مراقبة بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير؛ توثق كل صغيرة وكبيرة؛ فما أن فرغ المكان من الجحافيل البشرية التي حضرت الندوة حتى إرتجل واحد منهم وسرق الثبوت الذي علقت عليه اللافتة الإشهارية للندوة في خطوة جد جريئة مطبقا مقولتهم الشهيرة “إما أن تمنحي التغدية مقابل التغطية؛ أو أنتقم بسرقتك”؛ وما زاد الطين بلة؛ هو الهتافات والتصفيقات التشجيعية لزملائه على عمله الإجرامي هذا ؛وبعد تنفيذه لسرقته فر هاربا على متن دراجته النارية؛كقط إنقض على طعام أسياده وتوارى عن الأنظار.
فإذا كان الجسم الصحفي والإعلامي بجهة سوس ماسة يضم أمثال هؤلاء “المجرمين”؛ فقد رفع القلم وجف المداد؛ لأن أمثال هؤلاء الأشخاص لا يحتجون لندوة تنويرية حول مستجدات قانون الصحافة والنشر؛ بل ما ينقصهم قبل كل شيء هو مدونة أخلاق تلقح عقولهم المتعفنة؛ وتصقل أخلاقهم أولا؛ لأن الصحفي المثالي هو رسول يحمل رسالة أخلاقية وتثقفية تنمي وعي الإنسان والقارئ بصفة عامة بمجريات الأحداث في عصره؛ وتحافظ على المجتمع من التشتت والتصدع والضياع؛ وحامل مثل هذه الصفة لا بد له أن يتصف بمواصفات ومميزات تميزه عن الإنسان والمواطن العادي.
فعلى مر التاريخ لم تخلو أي مهنة من ميثاق شرف وقواعد سلوكية تنظم عمل المنخرطين فيها؛ فمنذ أن وجد آدم وحواء على وجه البسيطة؛ إذ لم تخلو المجتمعات الإنسانية والموصوفة بالبدائية من نحوث ونقوش وألواح وعظام وجلود من أجل ترتيب عمليات الإعلام فيما بينها؛ غير أن تدوين قواعد الإحتراف المهني لقطاع الإعلام تتطلب تطور المجال من الإتصال الإعلامي التلقائي إلى الإتصال الإعلامي المنظم والحرفي المؤثر بقوة في دوائر الرأي العام.
والذي أخد شكل مهنة منظمة لها معاهدها وجامعاتها ومراكز تدريبها المتخصصة وفضاءات عملها التي لا يمكن تركها مفتوحة على الدخلاء والمتطفلين دون ضبط قواعد الممارسة بأخلاقيات وتشريعات ومعايير السلوك المهني في العمل الإعلامي؛ فأصبح ملحا حضور الضمير والإعتبار الأخلاقي لدى الإعلامي مع التدريب والتكوين العلمي والمعرفي المتخصص؛ الذي غدى اليوم سبيل نجاة سفينة الإعلام الأكاديري؛ وإجتثاتها من بين الأمواج المتلطمة في بحر إختلط فيه الحابل بالنابل وتزاحمت فيه الأسماك حتى تعفنت وأزكمت الأنفس.
فعندما يقرأ المرء كثيراً من أشعار الجاهلية يقف مندهشا أمام سيل من المعاني والقيم السامية والنبيلة التي تأثت معاملتهم؛ بالرغم من أنهم لم يكونوا أهل إسلام أو دين؛ ولكنها قيم وأخلاق العرب؛ ومن أبرز هؤلاء الشعراء سارق قلب عبلة؛ كيف وهو الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم( ما وصف لي أعرابي قط؛ فأحببت أن أراه إلا عنترة بن شداد ).
فإذا كان عنترة بن شداد قد خطف قلب عبلة وطار بها في سماء العشق والهيام ومثلا يضرب به في الصدق والنزاهة والإخلاص والوفاء وغيرها من المشاعر الإنسانية والاجتماعية الراقية؛ فإن إبن شداد عصرنا وقع في المحضور وطار بثبوت لا حول ولا قوة له في ضرب صارخ لكل المعاني والأخلاق الإنسانية للصحفي المثالي
بقلم:أحمد الهلالي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.