أوجار يصنع الأعذار… لا التاريخ

رحال الانصاري6 ديسمبر 2025Last Update :
أوجار يصنع الأعذار… لا التاريخ

بقلم: مروان عسالي

في تصريح غريب خرج القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، متحدثاً عن “تحكم” الولاة والعمال في المجالس المنتخبة، ومحمّلاً “الدولة العميقة” مسؤولية عجز الأحزاب. قد يبدو هذا الكلام بطولياً للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون محاولة جديدة لتعليق الفشل على الآخرين. وربما لهذا كتب ماركس: “الناس يصنعون تاريخهم”… لكن بعض الأحزاب تصنع فقط أعذارها.

لنبدأ من القانون، بعيداً عن الضجيج. دستور 2011 كان واضحاً في الفصلين 135 و136: الجماعات الترابية تعتمد التدبير الحر، وتمارس اختصاصاتها باستقلالية. أما تدخل العامل والوالي فمحصور في الرقابة الإدارية لا السياسية. بل إن القانون التنظيمي 113.14 يحدد بدقة أن ممثل السلطة الإدارية لا يمارس القرار ولا التصويت ولا صياغة المشاريع. فكيف تحوّلت الرقابة القانونية إلى “تحكم سياسي”؟ وكيف يصبح العامل شماعة لكل منتخب فشل في قراءة ملف أو إعداد مشروع؟

وحتى لو افترضنا جدلاً أن ما يقوله أوجار صحيح، فالخطأ الأكبر لا يكمن في “التحكم” بل في الغياب الكلي لأي مسار مؤسساتي من طرف حزبه. إذا كان التجمع الوطني للأحرار يرى أن وزارة الداخلية تتجاوز صلاحياتها، فلماذا لم يرفع مذكرة رسمية لرئيس الحكومة؟ لماذا لم يطلب اجتماعاً مع وزير الداخلية؟ لماذا لم يفعّل مساءلة برلمانية حول الموضوع؟ لماذا لم يصدر تقريراً حزبياً مفصلاً يشرح ما يعتبره “اختلالات بنيوية”؟
لا شيء من هذا حدث. فقط تصريح عابر، يُطلق قرب الانتخابات، موجَّه للرأي العام أكثر مما هو موجَّه للمؤسسات.

ثم يأتي السؤال الأكثر حساسية: هل المشكلة حقاً في الدولة العميقة… أم في السلوكات المنحرفة داخل بعض التنظيمات؟
فضيحة القفف الوهمية بتيط مليل، التي انفجرت مؤخراً، ليست صنيعة ولاة ولا عمال، ولا علاقة لها بوزارة الداخلية. إنها ممارسة حزبية صرفة، توظيف للفقر في لعبة انتخابية رخيصة، وتعبير صارخ عن غياب المعنى الأخلاقي في تدبير بعض الفروع. فهل كانت “الدولة العميقة” هي من وزعت القفف المزيفة؟ هل هي التي خططت للتلاعب بثقة المواطنين؟ أم أن الخلل الحقيقي يكمن في أحزاب تستعمل السلطوية حين تحتاجها، وتشتكي منها حين تفشل؟

الأسوأ في الخطاب الذي أطلقه أوجار هو أنه يأتي على مشارف الانتخابات التشريعية، في توقيت يثير الريبة، وكأنه تمهيد لخلق مبرر مسبق لأي تراجع انتخابي محتمل. وهذا أسلوب قديم في السياسة: حين نخشى المحاسبة، نبحث عن عدو خفيّ نُحمّله مسؤولية ما صنعناه بأيدينا.

الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح:
المشكلة ليست في وزارة الداخلية، بل في أحزاب لم تستطع صناعة نخبها، ولا ضبط تزكياتها، ولا تنظيف بيتها الداخلي.
وإذا كان الناس يصنعون تاريخهم، فمن المخجل أن تصبح بعض الأحزاب تصنع فقط التبريرات.

إن مستقبل الديمقراطية لا يبنيه من يصرخون في الهواء، بل من يذهبون للمؤسسات، يكتبون المذكرات، يقدمون التقارير، يتحملون المسؤولية، ويواجهون الواقع بشجاعة. أما الاكتفاء بخطاب المظلومية، فهو مجرد إعلان سياسي عن الإفلاس الأخلاقي والفكري… لا أكثر.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading