بقلم : عبدالرحمان العبداوي(*)
تواجه منظومة التقاعد في المغرب لحظة حاسمة، إذ تكشف الأرقام الرسمية عن عجز مالي متصاعد يهدد استدامة الصناديق ويضع الحكومة أمام خيار الإصلاح الجريء أو الانزلاق نحو أزمة اجتماعية غير مسبوقة.
فالصندوق المغربي للتقاعد سجل سنة 2024 عجزا تقنيا بلغ 7.2 مليارات درهم، وتراجعت احتياطياته بنسبة 7 في المئة مقارنة بعام 2023، فيما تجاوز العجز التراكمي 60 مليار درهم خلال عقد واحد. هذه المؤشرات تعكس هشاشة البنية المالية للنظام وتؤكد محدودية الإصلاحات السابقة التي اعتمدت على رفع سن التقاعد وزيادة الاشتراكات دون معالجة الأسباب البنيوية.
الخبراء يجمعون على ان تلك الإصلاحات لم تكن سوى آلية لتأجيل الانهيار، إذ تم ترحيل العجز من 2022 الى 2028، بينما بقيت أموال ضخمة مجمدة بعوائد ضعيفة لا تتجاوز 3 في المئة في صندوق الايداع والتدبير، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد الوطني الى استثمارات انتاجية قادرة على خلق القيمة.
النقابات من جهتها ترفع خطوطا حمراء واضحة، مؤكدة رفضها تحميل الشغيلة كلفة اختلالات لم تكن سببا فيها، ومحذرة من أي مساس بالحقوق المكتسبة او تقليص قيمة المعاشات. وفي المقابل تتحدث الحكومة عن اصلاح شامل يحافظ على السلم الاجتماعي ويضمن تنافسية الاقتصاد، غير ان الغموض يلف تفاصيل هذا المشروع ويثير الشكوك حول جديته.
الحلول المطروحة اليوم تتوزع بين مسارين: اصلاحات معيارية جديدة تعيد انتاج نفس الازمة عبر رفع سن التقاعد وزيادة الاشتراكات، واصلاحات هيكلية اكثر عمقا تشمل توحيد الانظمة في قطبين عمومي وخاص، الانتقال نحو نماذج هجينة تجمع بين التوزيع والرسملة، ربط المعاشات بأمد الحياة ومتوسط الاجور، وتعزيز الحوكمة والشفافية في استثمار الاموال.
ان استمرار التردد في اتخاذ القرار لن يؤدي سوى الى مضاعفة الخسائر اليومية وتفاقم الدين الضمني للنظام. وكل تأجيل جديد يعني اقتراب ساعة الانهيار. لذلك فإن الحكومة مدعوة الى التعامل مع الملف بجرأة ومسؤولية تاريخية، عبر فتح حوار اجتماعي حقيقي وصياغة اصلاح عادل ومتدرج يحافظ على التوازن بين الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية.
(*)صاحب المقال:
– مستشار جماعي ومقرر عام سابق للميزانية
-مقتصد سابق ب CHU بالدارالبيضاء
-مفتش سابقا بالمكتب الوطني للبريد والمواصلات
-حاصل على شهادة الاهلية لمزاولة مهنة المحاماة
[email protected]
☎️ 0643507376
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
